ذلك، لكان من يسمِّي هذا (خروجاً عن ولاة الأمر)،ويحرّمه مخطئا خطأ بيِّنا، بل يكون تحريمه من أعظم أسباب بقاء الظلم، وإاستمراره، وتعطل المصالح، وزيادة المفاسد في الأمّة، فيكون هو من أعوان الظلمة!

ومن الأمثلة أيضا، ما هو معلومٌ مشهور، ما حملته كتب التراجم من قيام العلماء السالفين بالخروج متظاهرين لدفع المفاسد، وللإصلاح في جماعات كثيرة، ومن ذلك ما نقل عن الإمام البربهاري أنه كان يظهر مع أصحابه، وينتشرون في الإنكار، حتى حملت كتب التاريخ تلك القصة المشهورة عن اجتيازه بالجانب الغربي في بغداد، فعطس فشمَّته أصحابه، فارتفعت ضجّتهُم حتى سمعها الخليفة وهو في روشنه! فسأل عن الحال، فأخبر بها، فاستهولها!!

فليت شعري ماذا كان يفعل البربهاري في مسيره هذا مع آلاف من أنصاره في ذلك الزمن في شوارع عاصمة الخلافة الإسلامية، ولماذا لم يُنكر عليه، هذا الحشد الهائل الذي كان يتوصل به إلى إنكار المنكرات، ومقاومة الفساد، وهو حشد كبير بحيث إنْ يُشمّته من حوله، يبلغ صوت: (يرحمك الله) إلى رأس السلطة في مقرِّه!!

وأيضا مما ورد في السنة من استدعاء الحشد للبلاغ، ما في الصحيحين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214]،صَعِدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ» - لِبُطُونِ قُرَيْشٍ - حَتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ اليَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد:2] (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015