وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، قَالَ: وَهُنَّ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَتَى الصَّفَا، فَصَعِدَ عَلَيْهَا، ثُمَّ نَادَى: «يَا صَبَاحَاهُ»،فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَبَيْنَ رَجُلٍ يَجِيءُ، وَبَيْنَ رَجُلٍ يَبْعَثُ رَسُولَهُ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يَا بَنِي، يَا بَنِي أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَصَدَّقْتُمُونِي؟»،قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ»،فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَمَا دَعَوْتُمُونَا إِلَّا لِهَذَا، ثُمَّ قَامَ، فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد:1]،وَقَدْ تُبَّ، وَقَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا" (?)

فهذا نصٌ واضح في أنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -،صعّد ليراه الناس، واستدعاهم ليجمعهم في مكان واحد _ في صورة أشبه ما تكون بالمظاهرات السلمية اليوم التي يراد منها رفع مستوى قوّة الاحتجاج _ وليبلّغهم، فاحتشدوا له، واستغلّ هذا الحشد، ليوصل صوته إلى أبعد مدى، فيبلغ ما أمر بتبليغه.

وهذا نص آخر أوضح من الأول وهو نص في محل النزاع، عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:" لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ " فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ:" قَدْ ذَئِرَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَأَذِنَ لَهُمْ فَضَرَبُوهُنَّ فَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءٌ كَثِيرٌ " فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:" لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - اللَّيْلَةَ سَبْعُونَ امْرَأَةً كُلُّهُمْ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ، وَلَا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ " (?)

قلت: هذه النسوة التي تزيد على السبعين قمن بمظاهرةٍ ليليةٍ احتجاجاً على ضرب أزواجهن لهنَّ بغير حق، وطفن حول بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -،وهو الرئيس الأعلى للمسملين والمرجع الأول لهم، ولم ينكر عليهن النبي - صلى الله عليه وسلم -،وأقرهنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك وأنَّب أزواحهنَّ على هذا التجاوز، وفيه أمرٌ آخر مهمٌّ جدًّا، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - صدَّقهن مباشرة دون الرجوع لأزواجهن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015