وقوله للسحرة حين آمنوا: {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} [طه:71]

والطغيان لا يخشى شيئا كما يخشى يقظة الشعوب، وصحوة القلوب ولا يكره أحدا كما يكره الداعين إلى الوعي واليقظة ولا ينقم على أحدكما ينقم على من يهزون الضمائر الغافية. ومن ثم ترى فرعون يهيج على موسى ويثور، عندما يمس بقوله هذا أوتار القلوب. فينهي الحوار معه بالتهديد الغليظ بالبطش الصريح، الذي يعتمد عليه الطغاة عندما يسقط في أيديهم وتخذلهم البراهين: {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء:29]! ..

هذه هي الحجة وهذا هو الدليل: التهديد بأن يسلكه في عداد المسجونين. فليس السجن عليه ببعيد. وما هو بالإجراء الجديد! وهذا هو دليل العجز، وعلامة الشعور بضعف الباطل أمام الحق الدافع. وتلك سمة الطغاة وطريقهم في القديم والجديد! (?)

فهو لا يحتمل أن يخالف أحد أمره، أو يرد عليه قوله، بل يجب على الجميع الخضوع له، وإلا فالجزاء عنده القطع والصلب والسجن والقتل!

وهذا هو حال الأنظمة الملكية والوراثية فإنها تتأله وتطغى وتخضع الشعوب للرب الأعلى، الذي يحتمل كل شيء، بما في ذلك نقد وزرائه والتظلم من ممارساتهم، إلا أنه لا يحتمل أن يتعرض له أحد، فهو شيء آخر، وله من القدسية ما يجعل الأبصار تخشع له، والأصوات تخفت عنده، والقلوب تخشى سطوته، مهما فعل من الجرائم فإنه لا يُسأل عما يفعل والجميع يُسألون!

وحتى الطاعة له لا مثنوية فيها ولا منازعة، ولهذا جاء القرآن ليهدم كل صور الألوهية البشرية هذه، وليقرر أن الله وحده هو {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]،وليقرر أنه {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015