وقال عن الفرعون (فالملك في مصر هو المرجع الأعلى وإليه وحده يرفع طلب الاسترحام) (?)
،وهو ما جاء في قوله تعالى عن فرعون ودعواه حين قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24]،وهذا هو الطغيان الذي نعاه الله عليه حين أرسل إليه موسى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:24]
وهي الدعوى ذاتها التي ينتحلها الملوك والأمراء اليوم، فهم المرجع الأعلى، وهم فوق السلطات كلها، ومنهم تستمد السلطات الثلاث شرعيتها، وباسمهم تصدر الأحكام، وباسمهم تنفذ، وباسمهم يوقف تنفيذها، وباسم يتم تعطيلها .. الخ
فهم آلهة وأرباب بشرية بحكم الواقع حتى وإن تظاهروا بغير ذلك مكرا لا تواضعا، وحتى إن نفى عنهم عبيدهم ذلك جهلا بحقيقة الربوبية والوثنية التي يمارسونها واقعيا!
3 - ومشيئة الملوك نافذة، وسلطتهم لا حدود لها، فما يأمرون به يكون دينا وفرضا يجب طاعته والالتزام به وتطبيقه طوعا أو كرها، كما جاء في تاريخ الحضارة عن ملوك مصر وفرعونها: (فسلطته لا حدود لها، وليس لإرادته من رادع ولا حسيب .. فمشيئة الملك وإرادته هي القانون، ولها ما للعقيدة الدينية من قوة وشكيمة) وكما جاء في المخطوطات والأثريات المصرية (فكل ما يتفوه به صاحب الجلالة يجب أن يتم وأن يتحقق بالحال .. فهو يعمل ما يجب ولا يفعل قط ما يكره، وأقواله لها من الحتمية بحيث لا يسع المصري إلا التسليم والخضوع لأوامره مهما بدت له قاسية لا تحتمل، أو بغيضة لا تطاق)! (?)
وهو ما أخبر به القرآن عن فرعون حين خاطب قومه: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:29]!
إنني لا أقول لكم إلا ما أراه صوابا، وأعتقده نافعا. وإنه لهو الصواب والرشد بلا شك ولا جدال! وهل يرى الطغاة إلا الرشد والخير والصواب؟! وهل يسمحون بأن يظن أحد أنهم قد يخطئون؟! وهل يجوز لأحد أن يرى إلى جوار رأيهم رأيا؟! وإلا فلم كانوا طغاة؟! (?)