(إن الطغاة أنفسهم يعجبون لقدرة الناس على احتمال ما يصبونه على رؤوسهم من العذاب، لقد احتموا بالدين واستتروا وراءه، ولو استطاعوا لاستعاروا نبذة من الألوهية سندا لهم، إن الطغاة كانوا يسعون دائما ليستتب لهم سلطانهم إلى تعويد الناس أن يدينوا لهم لا على الطاعة والعبودية فحسب، بل بالإخلاص كذلك). (?)

وفي مقابل ذلك وليعوض الطغاة عبيدهم عن الحرية الحقيقية التي استلبوها منهم، فتحوا أمامهم الباب لحرية زائفة يمنحها الطغاة لشعوبهم بل عبيدهم ليلهوهم بها، وليعيشوا وهم الحرية، وحرية الوهم!

كما قال لوبواسييه (ويتجلى التحايل من قبل الطغاة على التغرير برعاياهم - لاستعبادهم - بفتح دور الدعارة والخمر والألعاب الجماهيرية، فانصرف هؤلاء المساكين البؤساء إلى التفنن في اختراع الألعاب من كل لون وصنف، لقد كانت المسارح والألعاب والمصارعون والميداليات واللوحات وغيرها من المخدرات لدى الشعوب طُعْم عبوديتها، وثمن حريتها، وأدوات الاستبداد بها). (?)

إن من ينظر في واقع المجتمعات العربية اليوم، يجد أنها توافق تمام الموافقة، وتطابق تمام المطابقة حالة الشعب الفرنسي قبل أربعة قرون، ليصدق بذلك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، فارس والروم)!

إن من يشد الأغلال في أعناق الشعوب، ويقيدها بحلق قوائم العروش، ليس الجنود والجيوش، بل هم عصابة بين السبعة والتسعة كما قال تعالى {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)} [النمل:48 - 53]!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015