إنهم مجموعة من السماسرة والنخاسين، من المفكرين ورجال الدين، من بطانة السوء، الذين يثرون فجأة من أموال الشعوب، فيجعلون أعراضهم دون عرض الرئيس والملك، وأرواحهم دون روحه، لا حبا فيه، بل خوفا من سقوطه، وذهاب مكانتهم وطريقتهم، كما حذر من ذلك الملأ الفرعوني {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)} [طه:62 - 64]!
كما قال لوبواسييه (ليس فرق المشاة، ولا قوة الأسلحة، تحمي الطغاة، بل أربعة أو خمسة يبقون الطاغية في مكانه، ويشدون البلد كله إلى مقود العبودية، يتقربون أو يقربهم إليه، ليكونوا شركاء جرائمه، وقواد شهوته ولذته، هؤلاء الخمسة أو الستة يدربون رئيسهم على القسوة نحو المجتمع، وينتفع في كنفهم ست مئة يفسدهم الستة مثلما أفسدوا الطاغية، ثم هؤلاء الست مئة يفسدون معهم ستة آلاف تابع، يوكلون إليهم مناصب الدولة، والتصرف في الأموال، ويتركونهم يرتكبون من السيئات ما لا يجعل لهم بقاء إلا في ظلهم، ولا بعدا عن طائلة القانون إلا عن طريقهم، ليطيحوا بهم متى شاءوا، ليصبح ليس فقط الستة أو الستة آلاف بل الملايين يربطهم بالطاغية هذا الحبل، لو شده لجذبهم كلهم إليه، فصار خلق المناصب الجديدة، وفتح باب التعيينات والترقيات على مصراعيه، كل ذلك لا من أجل العدالة، بل من أجل أن تزيد سواعد الطاغية، فإذا الذين ربحوا من الطغيان، يعدلون - بل يعادون - في النهاية من يؤثرون الحرية، فما إن يستبد ملك حتى يلتف عليه حثالة المملكة وسقطها، ليصبحوا أنفسهم طغاة مصغرين في ظل الطاغية الكبير). (?)
إن سر وداعة الشعوب العربية وخورها في ظل الملكيات، وحيويتها وشجاعتها في ظل الجمهوريات، ليس الرضا عن الملوك، ولا الحب لهم، ولا الرغبة في حكمهم، إنما هي وداعة العبيد أمام سادتهم، حين يفقدون إنسانيتهم، ويتنازلون عن حريتهم، ويتجردون من كرامتهم، فيصبح ذلك فيهم مع توارث الأجيال طبعا وسجية، ثم تزداد الخطورة حين يصبح