والتأثير الكبير داخل الحس الإسلامي العام نظرا للقطيعة الفكرية والسياسية الذي أحدثته معها فيما بعد الحركات الإسلامية، بذرائع مختلفة تتلخص باتهام الإصلاحيين الأوائل بالتواطؤ مع الاستعمار الغربي أو تهمة تطويع الدين لتبرير الحداثة، وربما أدت مقالة علي عبد الرازق (في نقد نظرية الخلافة) من خلال كتابه (الإسلام وأصول الحكم) دورا معاكسا تماما لما أريد لها، إذ أعطت دفعا وتبريرا للمخاوف من وجود محاولات داخل النسق الفقهي والفكري الإسلامي لإقصاء الإسلام عن المجال السياسي العام.
وعلى الرغم من رفض مرحلة الإحيائية الإسلامية للتراث السياسي القديم وتأسيسها لممارسة سياسية إسلامية تتجاوز مقولات الخضوع للسلطة والطاعة وتكفير المعارضة، إلاّ أنّ انصباب جهود الإحيائيين (الحركات السياسية الإسلامية) على الجانب العملي وإغفال الجانب الفكري والمعرفي وتغول مشروع الصراع السياسي مع السلطات العربية الحاكمة، أدى إلى استمرار الدور السلبي للتراث الإسلامي في الحس الشعبي العام، خاصة مع وجود بعض الاتجاهات الإسلامية التقليدية من ناحية والدينية الرسمية من ناحية أخرى التي تعيد الاعتبار لهذا التراث وتؤسس عليه مواقفها وممارستها السياسية السلبية لخدمة السلطة، من خلال التأكيد على لزوم طاعة السلطة وتحريم الأحزاب السياسية والمعارضة وتضييق مساحة الحريات السياسية ومصادرة مبادئ حقوق الإنسان بذريعة حداثتها وعدم وجود سند من التراث الإسلامي يرفدها.
في المقابل، استأنف عدد من المفكرين والباحثين في المجال الإسلامي مقولات الإصلاحيين الأوائل، وتزايدت في السنوات الأخيرة الجهود الفكرية والمعرفية في محاولة نقد التراث الإسلامي وغربلته والتأسيس لفقه سياسي جديد، ومن هذه المحاولات ... والجهود الجديدة في غربلة التراث وإعادة بناء الفقه السياسي الإسلامي يجدر الوقوف أمام كتاب صدر مؤخرا للدكتور حاكم المطيري أحد القادة الإسلاميين في الكويت بعنوان "الحرية أو الطوفان: دراسة موضوعية للخطاب السياسي الشرعي ومراحله التاريخية" (دار الفارس، عمان،4)،والكتاب أثار ضجة منذ صدوره، إذ جاء في بيئة سياسية وفكرية محافظة