لقد انتفض الشارع العربي بفطرته وعفويته، وشارك في المقاومة، إلا إنه عاد إلى أدراجه هادئا طائعا بعد أن تم تدجينه مرة أخرى بخطاب ديني! تارة بالفتاوى ونظرية المصالح والمفاسد، التي تكون دائما لصالح الاحتلال والاستبداد، وتارة بالسجن والتعذيب لمن يرفض الفتوى وطاعة ولي الأمر!
وانسحبت الحركة الإسلامية هي أيضا واستروحت لخطاب التدجين، وخفت صوتها ضد احتلال العراق، ودخلت العملية السياسية، وصارت جزءا منه في العراق كما في أفغانستان، وتحالفت مع حلفائه في العالم العربي كله من المغرب والجزائر إلى الخليج واليمن والأردن .. الخ
لقد كانت قوة أمريكا وحلف النيتو المذهلة في الحرب التي تم تغطيتها إعلاميا في أفغانستان والعراق - بقصد الكشف عن مدى قدرة أمريكا العسكرية الهائلة - كافية في خلق ثقافة جديدة وهزيمة نفسية عامة لدى قطاع إسلامي عريض، سقط عنده خيار المقاومة فكريا وعقائديا، قبل أن يسقط عسكريا وواقعيا!
فلم تعد تسمع قوله تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:249] ولا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] كما كانت تردد قبل ذلك في كل مسجد في العالم الإسلامي أثناء الحرب مع الروس في أفغانستان!
بل وصار خطاب الهزيمة يتهم كل من يقاوم الاحتلال بالهوس والجنون والمغامرة!
وتغير الخطاب الإسلامي نحو الأسوأ حيث تجاوز كل المحظورات باسم الواقعية والحكمة حتى صارت الخيانة دينا، والعمالة للمحتل فلسفة وخلقا!
سقوط بغداد نهاية عصر وبداية عصر:
وقد أدركت منذ سقوط بغداد بأن المنطقة ستشهد تغييرا جذريا وأن تداعياته ستظل إلى عقود من الزمن، كما هي تداعيات سقوط فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي!
وكان قد سألني ليلة سقوط بغداد الأستاذ الفاضل سيف الهاجري وكثير من الأخوة ماذا تتوقع بعد سقوط بغداد؟