إنني أكتب هنا عن الثورة وإرهاصاتها كما عشتها أنا، وحلمت بها قبل حدوثها بعشر سنين، بل يزيد، فهذا الكتاب رؤيتي للأحداث، ووجهة نظري عن هذه الحقبة السوداء، كشاهد عليها وضحية من ضحاياها!
وقد قدر لي أن أكون ممن آمنوا بضرورة الثورة مبكرا، وبشر بها، ونظّر لها، ودعا إليها، بالقلم والعمل الحركي الدعوي والفكري والسياسي والحقوقي، من خلال مشاركتي في تأسيس التنظيمات السياسية، والمنظمات الحقوقية، المحلية والعربية، والتي من خلالها عرفت الواقع السياسي عن كثب، ومدى استشراء الظلم وانتهك حقوق الإنسان في العالم العربي، والجرائم التي تقع في السجون العربية لسجناء الرأي والسياسيين والمصلحين، حتى بلغ عددهم في بعض الدول العربية عشرات الآلاف - نحو 90 ألفا في مصر، ونحو 70 ألفا في تونس .. الخ - وقد بلغ عددهم في حقبة بعض الرؤساء والملوك على مدى فترة حكمهم مئات الآلاف ممن تعرضوا للاعتقال التعسفي، والسجن بلا تهمة، والسجن بلا حكم قضائي، والسجن بحكم سياسي، والسجن بعد انتهاء المحكومية .. الخ
ولعل تعداد من تعرضوا لذلك في العالم العربي كله في حقبة (كامب ديفيد) يتجاوز الملايين!
وقد أدركت عمق الأزمة وخطورتها فألفت كتابي (الحرية أو الطوفان) ثم كتابي (تحرير الإنسان) ثم رسالة (المقاومة السلمية رؤية شرعية) .. الخ - تلك المؤلفات التي كان لها أثر ووقع كبير في وسط التيار الإسلامي، على اختلاف مدارسه، الذي يملك قوة شعبية واسعة في الشارع العربي، إلا إنه تعرض للتشوهات الفكرية التي شلت حركته، وقتلت روحه الثورية بخطاب ديني ممسوخ مشوه، مما حيد قطاعا شعبيا واسعا من الشباب العربي وأخرجه عن دائرة التأثير والفعل السياسي، وهو ما زاد في حدة طغيان السلطة، فكان للكتابين أثر إيجابي في معالجة تلك التشوهات، كما ستراه في بعض الرسائل التي بيني وبين كثير من الإسلاميين، والتي ضمنت بعضها في هذا الكتاب، وكما اعترف لي بذلك مشافهة كثير من الدعاة والمصلحين ..