وزحامه، ومن تحت ركام الواقع العربي البائس وحطامه، ليصرخ في العرب صرخة أبيهم إبراهيم حين أذن في الناس بالحج، فإذا العرب الموتى منذ عقود يبعثون من قبورهم من جديد، يلبون صرخته لبيك لبيك، وإذا الأرض تهتز من تحت أقدامهم، وإذا بركان الثورة يتفجر في كل أرض، وإذا الطوفان يكتسح عروش الظلم والطغيان!
لا تكن محتقرا شأن امرئ ربما كان من الشأن شئون
وإذا الأحداث تتسارع على نحو مدهش مذهل لم يكن يتوقعه أحد!
لكل طاغية طفل سيصرعه قد خبأ الله ذاك الطفل والأجلا
وقد كان كثير من الأخوة بعد ذلك يعجبون مني كيف تنبأت بالثورة على النحو الذي وقعت في آخرة عبارة من كتاب (الحرية أو الطوفان) حين قلت (فليس أمام الأمة للخروج من هذا التيه إلا الثورة أو الطوفان)،فكنت أجيبهم بأن المستقبل يستشرف بثلاثة أمور:
الأول: الرأي الثاقب كما عبر عنه شاعر العرب وفيلسوفهم أبو الطيب المتنبي حين قال:
ذكيٌ تظنّيه طليعة عينه يرى قلبه في يومه ما ترى غدا
وقد رأيت أهل الرأي في كل بلد يتوقعون حدوث الثورة أو يتمنونها فعلمت أنها ستقع لا محالة، فالمستقبل هو أحلام الحاضر وأمانيه!
الثاني: الرواية وأنا من أهلها والمتخصصين فيها وقد بينت ذلك في كتابي (تحرير الإنسان) وكتابي (الفرقان)،فالروايات والنبواءات الصحيحة تؤكد أننا في الحقبة الثالثة بعد سقوط الخلافة وهي حقبة الدعاة على أبواب جهنم، وحقبة الطاغوت حيث تسفك الدماء وتستحل الموبقات، ثم يأت الله بالفرج والنصر على سنن جارية، ووفق نواميس لا تتخلف!
الثالث: الرؤى كما في الصحيح عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -،يَقُولُ: «لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا المُبَشِّرَاتُ» قَالُوا: وَمَا المُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ» (?)