عن فتواه ووقف في صف التتار أن يقاتلوه معهم ولا يغتروا به، إذ الحي لا تؤمن عليه الفتنة، فعَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: إِنَّ الْأَمْرَ يُؤَوَّلُ إِلَى آخِرِهِ، وَإِنَّ أَمْلَكَ الْأَعْمَالِ بِهِ خَوَاتِمُهُ، وَإِنَّكُمْ فِي خَوَاتِمَ الْأَعْمَالِ، أَلَا فَلَا يُقَلِّدَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ دِينَهُ رَجُلًا إِنْ آمَنَ آمَنَ، وَإِنْ كَفَرَ كَفَرَ، فَإِنْ كُنْتُمْ لَابُدَّ فَاعِلِينَ فَبِبَعْضِ مَنْ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ الْحَيَّ لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ. (?)
ودين الله لا يعرف بالرجال، بل بالآيات البينات، فإذا دهم العدو أرض الإسلام فقد وجب بالإجماع دفعه، وصار الجهاد حينئذ فرض عين على أهل البلد التي دهمها العدو وفرض كفاية على من يليهم من المسلمين، فإن عجزوا عن دفعه صار فرض عين على من يليهم حتى يعم الحكم جميع المسلمين (?)
ومثل هذا الحكم الذي هو فرض عين بالإجماع لا يكون محلا للاجتهاد، ولا يحتاج المسلمون في معرفته إلى العلماء، ولا يستطيع العلماء أن ينسخوا الحكم المجمع عليه، ويحرم على المسلمين طاعتهم في ذلك، وإنما هذا الأمر من المعلوم من الدين بالضرورة القطعية، فمن قدر عليه من أهل الحرب والنجدة والبأس قام به، ومن لم يستطع وجب عليه أن يعد العدة حتى يقدر عليه، وإنما يجتهد المسلمون في فروض الأعيان وفروض الكفاية في كيفية أدائها على الوجه المطلوب.
وهذا يرجع فيه إلى أهل الخبرة والمعرفة والدراية في هذه الفروض لا إلى الفقهاء، فما كان من فروض الجهاد كان معرفة كيفية القيام به على الوجه المطلوب راجعا للعسكريين وأهل الحرب والمقاتلين.
وإنما يجب الرجوع إلى الفقهاء لمعرفة حكم الله في النوازل التي لا يعرف حكمها من حيث الحل والحرمة والوجوب، أما القضايا التي أجمع عليها المسلمون، ويشترك في معرفتها العامة والخاصة، مما هو معلوم من الدين بالضرورة القطعية، فلا يجب على المسلمين الرجوع فيها إلى أحد لمعرفة حكمها.