فصارت الحرية هي غاية التوحيد وروحه، فمن لم يتحرر من كل عبودية لغير الله صورية أو معنوية، ففيه من نقص التوحيد بقدر نقص هذه الحرية!
وقد جاء الإسلام من أجل ألا يخاف الإنسان ولا يخشى ولا يرهب أحدا إلا الله، كما قال تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175]،وقال: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة:40]، {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18]،فحرر الإنسان من كل مشاعر الخوف ونوازع النفس، ليكمل توحيده بكمال تحريره!
فدين يجعل الحرية هي باب الدخول إليه {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:256]،ويجعلها غاية الوصول إليه {وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ}،كيف لا يوجب القتال من أجلها، ولا يصون جنابها؟
وكيف تكون دولة في الإسلام ولا تتحقق فيها الحرية والعدل والإحسان؟ وكيف تكون دولة في الإسلام يخشى الإنسان فيها غير الله ويرهبه ويرغبه؟
إن الإسلام والإيمان والإحسان والتوحيد هو الحرية في أكمل صورها ومعانيها، وفي أشرف مضامينها ومراميها، وليس وراءها إلا العبودية للإنسان، أو العبودية للمادة، أو العبودية للشهوات والأهواء، وليست هذه من الحرية في شيء إلا في صورتها البهيمية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمِ، وَالقَطِيفَةِ، وَالخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ» (?)
- - - - - - - - - - - -