أَوْ اسْتَرَقَّهُ فَاجِرٌ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ قَائِمًا بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ، وَمَنْ اسْتَعْبَدَ بِحَقٍّ إذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ لَهُ أَجْرَانِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِالْكُفْرِ فَتَكَلَّمَ بِهِ وَقَلْبُهُ مُطَمْئِنٌ بِالْإِيمَانِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ وَأَمَّا مَنْ اسْتَعْبَدَ قَلْبَهُ فَصَارَ عَبْدًا لِغَيْرِ اللَّهِ فَهَذَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ مَلِكَ النَّاسِ. فَالْحُرِّيَّةُ حُرِّيَّةُ الْقَلْبِ، وَالْعُبُودِيَّةُ عُبُودِيَّةُ الْقَلْبِ) (?)

وقال ابن تيمية في شرح كلام الجيلاني: (فَإِن حَقِيقَة التَّوْحِيد أَن لَا يعبد إِلَّا الله. و" الْعِبَادَة " تَتَضَمَّن كَمَال الْحبّ وَكَمَال التَّعْظِيم، وَكَمَال الرَّجَاء والخشية والإجلال وَالْإِكْرَام. و " الفناء " فِي هَذَا التَّوْحِيد هُوَ فنَاء الْمُرْسلين وأتباعهم وَهُوَ أَن تفنى بِعِبَادَتِهِ عَن عبَادَة مَا سواهُ وبطاعته عَن طَاعَة مَا سواهُ وبسؤاله عَن سُؤال مَا سواهُ وبخوفه عَن خوف مَا سواهُ وبرجائه عَن رَجَاء مَا سواهُ، وبحبه وَالْحب فِيهِ عَن محبَّة مَا سواهُ وَالْحب فِيهِ.)! (?)

وقال: (وَكَذَلِكَ طَالِبُ الرِّئَاسَةِ وَالْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ قَلْبُهُ رَقِيقٌ لِمَنْ يُعِينُهُ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ مُقَدَّمَهُمْ وَالْمُطَاعَ فِيهِمْ.

فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ يَرْجُوهُمْ وَيَخَافُهُمْ، فَيَبْذُلُ لَهُمْ الْأَمْوَالَ وَالْوِلَايَاتِ، وَيَعْفُو عَنْهُمْ لِيُطِيعُوهُ، وَيُعِينُوهُ، فَهُوَ فِي الظَّاهِرِ رَئِيسٌ مُطَاعٌ، وَفِي الْحَقِيقَةِ عَبْدٌ مُطِيعٌ لَهُمْ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كِلَيْهِمَا فِيهِ عُبُودِيَّةٌ لِلْآخَرِ، وَكِلَاهُمَا تَارِكٌ لِحَقِيقَةِ عِبَادَةِ اللَّهِ، وَإِذَا كَانَ تَعَاوُنُهُمَا عَلَى الْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ كَانَا بِمَنْزِلَةِ الْمُتَعَاوِنِينَ عَلَى الْفَاحِشَةِ أَوْ قَطْعِ الطَّرِيقِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّخْصَيْنِ لِهَوَاهُ الَّذِي اسْتَعْبَدَهُ وَاسْتَرَقَّهُ يَسْتَعْبِدُهُ الْآخَرُ.

وَهَكَذَا أَيْضًا طَالِبُ الْمَالِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَعْبِدُهُ وَيَسْتَرِقُّهُ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ نَوْعَانِ: مِنْهَا: مَا يَحْتَاجُ الْعَبْدُ إلَيْهِ كَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ طَعَامِهِ، وَشَرَابِهِ، وَمَسْكَنِهِ، وَمُنْكَحِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.

فَهَذَا يَطْلُبُهُ مِنْ اللَّهِ وَيَرْغَبُ إلَيْهِ فِيهِ، فَيَكُونُ الْمَالُ عِنْدَهُ يَسْتَعْمِلُهُ فِي حَاجَتِهِ بِمَنْزِلَةِ حِمَارِهِ الَّذِي يَرْكَبُهُ، وَبِسَاطِهِ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَيْهِ؛ بَلْ بِمَنْزِلَةِ الْكَنِيفِ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ حَاجَتَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعْبِدَهُ، فَيَكُونَ هَلُوعًا إنْ مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا؛ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا.)! (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015