الباب قد دخل منه من ظُنَّ فيه الاستقامة، والمثاليّة، وقوة الوازع الذاتي، الذي يُفترض أن يمنع من سوء استعمال السلطة، إلى ارتكاب عظائم من التعسُّف في استعمال السلطة باسم الدين!

ويؤيده ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ، وَإِنَّهَا سَتَكُونُ نَدَامَةً وَحَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَنِعْمَتِ الْمُرْضِعَةُ، وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ» (?)

الثانية: أنَّ تضخم أجهزة، وآلات السلطة في العصر الحديث، وتشعُّبها إلى مختلف أنشطة الحياة، وتملُّك السلطة إلى جانب أدوات العنف (الشرطة، الأمن، الجيش، أجهزة الاستخبارات .. إلخ)،أدوات تمكّنها من صناعة العقول، وصياغتها، وكذا خداعها (الإعلام، التعليم .. إلخ).

إضافة إلى سيطرتها على أدوات التحكُّم في موارد الإنتاج، ودورة الاقتصاد، وبالتالي مستوى حياة الأفراد المعيشية، يعني منحها قدرة مطلقة على تحكُّم كامل في المجتمع، وإخضاعه بالقوة بشتى أنواع الإخضاع.

ولاريب أنَّ هذا يعني أنَّ ترك السلطة التي هذا شأنها بلا قيود تردعها عن الجوْر، يعني تعريض الأمّة لكوارث شاملة تهدِّد وجودها.

وكم من أمم ودول زالت، ودُمِّرت، بسبب الاستبداد وترك السلطة بلا قيود، مما أغراها بالظلم، والطغيان، حتى حلَّ بسبب ذلك الدمار، وأدركها وعيد الله تعالى الذي توعّد به الظالمين، في آيات كثيرة في القرآن العظيم.

قال تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} [الكهف:59]

وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)} [الفجر:6 - 14]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015