وأما الْخَاتَمُ فَلَبِسَهُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عثمان، حتى سقط من يد عثمان فِي بِئْرٍ فَلَمْ يَجِدْهُ. فَهَذَا شَرْحُ مَا قبض عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من صدقته وتركته، والله أعلم. فأما عَدَا الْحَرَمَ وَالْحِجَازَ مِنْ سَائِرِ الْبِلَادِ فَقَدْ تقدم ذكر انقسامه إلى أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ أَسْلَمَ عَلَيْهِ أَهْلُهُ، فَيَكُونُ أرض عشر. وقسم أحياه المسلمون فيكون ما أحيوه معشورا. وقسم ملكه الغانمون عنوة ولم يقفه الإمام فيكون معشورا. وقسم صولح عليه أهله فَيَكُونُ فَيْئًا يُوضَعُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ. وَهَذَا الْقِسْمُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا صُولِحُوا عَلَى زَوَالِ مُلْكِهِمْ عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَيَكُونُ الْخَرَاجُ أجرة لا تسقط بإسلام أهله، ويؤخذ من المسلم والذمي.
وَالثَّانِي: مَا صُولِحُوا عَلَى بَقَاءِ مُلْكِهِمْ عَلَيْهِ فيجوز بيعه، ويكون الخراج أجرة يسقط بِإِسْلَامِهِمْ، وَيُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَا يُؤْخَذُ من المسلمين. فأما أَرْضِ السَّوَادِ فَإِنَّهَا أَصْلُ، حُكْمِ الْفُقَهَاءِ فِيهَا يعتبر به نظائرها. وهذا السواد مشاربه إلَى سَوَادِ كِسْرَى الَّذِي فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عهد عمر من أرض العراق، سمي سوادا، لسواده بالزروع وَالْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ تَاخَمَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ الَّتِي لا زرع فيها ولا شجركانوا إذا خرجوا من أرضهم إليه ظهرت لهم خضرة الزروع وَالْأَشْجَارِ. وَهُمْ يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْخُضْرَةِ وَالسَّوَادِ فِي الاسم. فَسَمُّوا خُضْرَةَ الْعِرَاقِ سَوَادًا. وَسُمِّيَ عِرَاقًا لِاسْتِوَاءِ أَرْضِهِ حِينَ خَلَتْ مِنْ جِبَالٍ تَعْلُو وَأَوْدِيَةٍ تَنْخَفِضُ. وَالْعِرَاقُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: هُوَ الِاسْتِوَاءُ. وَحَدُّ السَّوَادِ طُولًا: مِنْ حَدِيثَةِ الْمَوْصِلِ إلَى عبادان، وعرضا: مِنْ عُذَيْب الْقَادِسِيَّةِ إلَى حُلْوَانَ. يَكُونُ طُولُهُ مائة وستين فرسخا، وعرضه ثمانين فرسخا، إلا قريات قد سماها أحمد، وذكرها أبو عبيد: الحيرة، وبانقيا، وأرض بني صلوبا، وقرية أخرى كانوا صلحا. وروى أبو بكر بإسناده عن عمر أنه كتب: " إن الله عز وجل قد فتح ما بين العذيب إلى حلوان".