شيء كثير جدًا، وقد روى الإسماعيلي عن البخاري أنه قال: "لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحًا، وما تركت من الصحيح أكثر"، وروى ابن عدي عن إبراهيم بن معقل النسفي قال: "سمعت البخاري يقول: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحيح حتى لا يطول"، وعلى هذا فإعراض البخاري عن إخراج أحاديث المهدي في صحيحه لا يؤثر في صحتها، لأنه قد صرح أن ما تركه من الصحيح أكثر مما ذكره في صحيحه، وكذلك مسلم فإنه قد قال في صحيحه في آخر "باب التشهد في الصلاة": "ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا، إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه".
ومما ذكره الإسماعيلي والنسفي عن البخاري وما قاله مسلم في صحيحه، يعلم أنه لا يَقدح في أحاديث المهدي ويحتج بأعراض البخاري ومسلم عن إخراجها في صحيحيهما إلا من هو متكلف ومتعسف في رد الأحاديث الثابتة.
الوجه الثالث: قد ذكرت في أول الكتاب أحاديث كثيرة في ذكر المهدي، وذكرت من صححها من أكابر العلماء، وفي بعضها التصريح باسم المهدي، وفي بعضها الإخبار عنه بأنه من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي دالة على إثبات خروج المهدي في آخر الزمان، وفيها أبلغ رد على من نفى خروجه ومن زعم أنه ليس في الإسلام منصب ديني يعرف بالمهدوية.
الوجه الرابع: أن يقال: كل ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر به من أنباء الغيب مما مضى وما سيأتي فإنه يجب على كل مسلم الإيمان به، وذلك من تحقيق الشهادة بالرسالة، ويترتب على عدم الإيمان به عدم تحقيق الشهادة بالرسالة، وذلك من أسوأ النتائج الاعتقادية ومما يضر في الدنيا والآخرة، وقد ثبتت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر بخروج المهدي في آخر الزمان، فوجب على كل مسلم الإيمان بخروجه، كما يجب عليه الإيمان بغير ذلك مما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سيقع قبل قيام الساعة؛ من خروج الدجال، ونزول عيسى، وخروج يأجوج ومأجوج، وغير ذلك من أشراط الساعة، وكذلك الإيمان بالنفخ في الصور، وما يكون بعد ذلك في يوم القيامة، حتى يدخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، وما يكون بعد ذلك. فكل ذلك من باب واحد يجب على كل مسلم الإيمان بما جاء منه في القرآن وفي الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن رد شيئًا مما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه يخشى عليه أن لا يقبل ....................