وإذا علم هذا، فنقول: لو أن رجلا كان في زمان شعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، أو في زمان الإمام أحمد، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومن كان في طبقتهم من أئمة الجرح والتعديل، ثم فعل مثل ما فعل ابن محمود فيما نسبه إلى الذهبي، وفي نقله عن علي القاري خلاف ما قال في حديث صلاة عيسى ابن مريم -عليهما الصلاة والسلام- خلف المهدي لقال فيه أئمة الجرح والتعديل أعظم قول، وربما ألحقوه بوهب بن وهب القاضي، ومحمد بن السائب الكلبي، ومحمد بن سعيد المصلوب، وأمثالهم ممن لا تقبل أحاديثهم ولا يعتد بأقوالهم.
وقال ابن محمود في صفحة (9) وصفحة (10): "وكلام العلماء من المتأخرين كثير، وأعدل من رأيته أصاب الهدف في قضية المهدي هو أبو الأعلى المودودي؛ حيث قال في رسالة اسمها "البيانات عن المهدي" أن الأحاديث في هذه المسألة على نوعين؛ أحاديث فيها الصراحة بكلمة المهدي، وأحاديث إنما أخبر فيها بخليفة يولد في آخر الزمان ويعلي كلمة الإسلام، وليس سند أي رواية من هذين النوعين من القوة حيث يثبت أمام مقياس الإمام البخاري لنقد الروايات، فهو لم يذكر منها أي رواية في صحيحه، وكذلك ما ذكر منها الإمام مسلم إلا رواية واحدة في صحيحة، ولكن ما جاءت فيها أيضًا الصراحة بكلمة المهدي، وقال لا يمكن بتأويل مستبعد أن في الإسلام منصبًا دينيا يعرف بالمهدوية يجب على كل مسلم أن يؤمن به، ويترتب على عدم الإيمان به طائفة من النتائج الاعتقادية والاجتماعية في الدنيا والآخرة، وقال مما يناسب ذكره بهذا الصدد أنه ليس من عقائد الإسلام عقيدة عن المهدي، ولم يذكرها كتاب من كتب أهل السنة للعقائد". انتهى.
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن المودودي لم يصب الهدف في قضية المهدي، ولم يقارب الإصابة، بل إنه قد أبعد غاية البعد عن الهدف، وسلك سبيل العصريين الذين تعسفوا في تضعيف أحاديث المهدي، ولم يبالوا بردها.
الوجه الثاني: أن يقال: ليس من شرط الحديث الصحيح الذي يجب قبلوه أن يثبت سنده، أما مقياس البخاري، بل كل ما رواه الثقة عن الثقة إلى أن ينتهي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو ثابت لا يجوز تركه إلا أن يوجد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث آخر يخالفه، فحينئذ ينظر فيهما فإن أمكن الجمع وإلا أخذ بأقواهما، ولو تركت الأحاديث الصحيحة التي لا تثبت أسانيدها أمام مقياس البخاري لترك من السنة ................................................