ابن عباس وأبي بكرة -رضي الله عنهم- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه.
وهذا الزجر الشديد والنهي الأكيد عام لكل من تجرأ على سفك الدماء بغير حق، ومن ذلك القتال لتحصيل الرياسة بدعوى المهدية، كما قد وقع ذلك من أناس كثيرين؛ مثل المهدي العبيدي، وابن التومرت، وأضرابهما ممن جعل دعوى المهدية طريقًا إلى تحصيل الأغراض الدنيوية، فهؤلاء عصاة مرتكبون لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك أمته يتقاتلون على حساب التصديق بالمهدي والتكذيب به، فقد تقوَّل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ونسب إليه ما لم ينقل عنه.
وقال ابن محمود في صفحة (6): "ومنها أننا لسنا بأول من كذب بهذه الأحاديث، فقد أنكرها بعض العلماء قبلنا، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "المنهاج" بعد ذكره لأحاديث المهدي: إن هذه الأحاديث في المهدي قد غلط فيها طوائف من العلماء، فطائفة أنكروها. مما يدل على أنها موضع خلاف من قديم بين العلماء، كما هو الواقع من اختلاف العلماء في هذا الزمان".
والجواب: أن يقال: وهل يظن ابن محمود أن تقليده للذين غلطوا في إنكار الأحاديث الواردة في المهدي، يكون حجة مقبولة لا يمكن ردها ولا إنكارها، كلا فإن التقليد ليس بحجة، فضلا عن تقليد المخطئين في أخطائهم، فإن هذا مما يتنزه عنه كل عاقل.
ويقال أيضًا: إن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- كاف في الرد على ابن محمود؛ لأنه قد صرَّح أن الطائفة التي أنكرت أحاديث المهدي قد غلطت في الإنكار، كما صرح في أول كلامه الذي لم ينقله ابن محمود، أن الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود، والترمذي، وأحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره، ثم ذكر عدة أحاديث عن ابن مسعود، وأم سلمة، وأبي سعيد، وعلي -رضي الله عنهم-، ورد على الذين أنكروا هذه الأحاديث محتجين بحديث أنس -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا مهدي إلا عيسى بن مريم»، قال: "وهذا الحديث ضعيف، وقد اعتمد أبو محمد بن الوليد البغدادي وغيره عليه وليس مما يعتمد عليه". انتهى. وفي متابعة ابن محمود للطائفة التي أنكرت أحاديث المهدي، مع علمه بتغليط الشيخ تقي الدين لمن قال بهذا القول، دليل على سوء اختيار ابن محمود وقلة مبالاته برد الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.