وقال ابن محمود في صفحة (6): "ومنها أن هذه الأحاديث لم يأخذها البخاري ومسلم ولم يدخلاها في كتبهما مع رواجها في زمنهما، وما ذاك إلا لعدم ثباتها عندهما، كما أنه ليس له ذكر في القرآن مما يقلل عدم الاحتفال بها".
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن أول هذا الكلام مأخوذ من كلام رشيد رضا وأحمد أمين وآخره مأخوذ من كلام المستشرق دونلدسن، فأما رشيد رضا فقد قال في صفحة (499) من الجزء التاسع من تفسيره المسمى تفسير المنار: "إن الشيخين لم يعتدا في صحيحيهما بشيء من أحاديث المهدي". وأما أحمد أمين فقال في صفحة (237) من الجزء الثالث من كتابه "ضحى الإسلام": "ولم يرو البخاري ومسلم شيئًا من أحاديث المهدي، مما يدل على عدم صحتها عندهما". انتهى. وأما دونلدسن فإنه قد تعرض لذكر المهدي وما جاء في ظهوره في آخر الزمان، ثم قال: "ولما كان القرآن نفسه لم يرد فيه ما يؤيد هذه الفكرة كان من الضروري الالتجاء إلى الحديث لإثباتها، ومع هذا فبالنظر إلى عدم ذكر القرآن شيئًا عن المهدي وأن الأحاديث الواردة بشأنه كلها ضعيفة أو مشكوك فيها، فإن عقيدة المهدي لا تدخل في اعتقادات أهل السنة والجماعة". انتهى. وقد نقله عنه سعد محمد حسن في صفحة (70) من كتابه "المهدية في الإسلام".
وإذا علم هذا، فقد تقدم قريبًا (?) قول ابن محمود أن أكثر الناس مقلدة يقلد بعضهم بعضا وقليل منهم المحققون، فقد أثبت ههنا على نفسه أنه من المقلدة بل أنه قد قلد أناسًا ليسوا بأهل أن يقلدوا ويؤخذ عنهم.
الوجه الثاني: أن يقال: إن الشيخين لم يستوعبا إخراج الأحاديث الصحيحة في صحيحيهما ولا التزما بذلك، وقد قال الحافظ ابن حجر في أول مقدمة فتح الباري: روى الإسماعيلي عنه -أي عن البخاري- أنه قال: "لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا، وما تركت من الصحيح أكثر"، وقال أبو أحمد ابن عدي: سمعت الحسن بن الحسين البزار يقول: سمعت إبراهيم بن معقل النسفي يقول: سمعت البخاري يقول: "ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحيح حتى لا يطول"، وقال مسلم في صحيحه في آخر "باب التشهد في الصلاة": "ليس كل
شيء عندي صحيح وضعته ههنا، إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه"، وقال أبو عمرو