السفن ويجتازون الموانع الجبلية على الإبل والبغال والحمير، وقد كان العرب في الجاهلية والإسلام يتصلون بمن يليهم من الأمم؛ كالروم والقبط والفرس والحبشة، ولم تكن البحار والموانع الجبلية سدًا مانعًا من اتصالهم بمن يليهم من الأمم، ولو كانت البحار والموانع الجبلية والمائية سدًا مانعًا من الاجتياز لما قدر العرب على الاتصال بالروم وغيرهم من الأمم، ولما قدر المسلمون على غزو الأمم في مشارق الأرض ومغاربها، فكلام ابن سعدي في هذه الجملة كلام غير معقول.
الوجه الثالث: أن يقال: لو فرضنا أن البحار والموانع الجبلية كانت سدًا محكمًا كما زعمه ابن سعدي، فهناك فجاج في الجبال وهناك سهول طويلة عريضة ليس فيها سد محكم يمنع أحدًا من الاجتياز من المشرق إلى المغرب وبالعكس، ومن الجنوب إلى الشمال وبالعكس، وهناك سفن في البحار يجتاز فيها المسافرون من المشرق إلى المغرب وبالعكس، ومن الجنوب إلى الشمال وبالعكس، وقد أخبر الله -تعالى- عن ذي القرنين أنه بلغ مغرب الشمس ومطلعها، ثم سار حتى بلغ الموضع الذي فيه يأجوج ومأجوج فجعل بينهم وبين الذين يلونهم سدًا من حديد يمنع يأجوج ومأجوج من الاجتياز والإفساد في الأرض، ولم تكن البحار والموانع الجبلية سدًا مانعًا لذي القرنين من السير في الأرض من المغرب إلى المشرق، ثم إلى موضع يأجوج ومأجوج، وفي هذا أبلغ رد على ما توهمه ابن سعدي -رحمه الله-.
الوجه الرابع: أن يقال: إن كلام ابن سعدي ينقض بعضه بعضًا، فقد قرر في أول كلامه الذي لم ينقله ابن محمود أن ذا القرنين بني الردم المانع ليأجوج ومأجوج من الخروج والإفساد في الأرض، قال: وكان ما وراءه وعن يمينه وشماله جبالا شاهقة وبحورًا زاخرة لا يستطيعون عبورها، وليس لهم معبر إلى الناس إلا من تلك الثنية التي سدها ذو القرنين، والمشهور أنها في شمال آسيا، بدليل ما هو معروف عند المؤرخين أن ذا القرنين ترك منهم طائفة خلف السد من جهة الناس فقيل لهم تُرك، قال: والمقصود أن يأجوج ومأجوج في ذلك الوقت لا نفوذ لهم على الناس إلا من تلك الثغرة التي بين جبال شاهقة، فسدَّها ذو القرنين وساوى بين الصدفين فلم يتمكنوا من نقب السد ولا صعوده ولا صعود الجبال التي عن يمينه وعن يساره، ثم نقض ذلك بقوله إن السد هي الموانع الجبلية والمائية ونحوها، وأن البحر الأبيض والأسود والمحيط من جميع جوانبه وما اتصل بذلك من الموانع إنها .........