وأما قوله: فإن السد كما ذكرنا هي الموانع الجبلية والمائية ونحوها المانعة من وصولهم إلى الناس، فقد شاهدوهم من كل محل ينسلون، فالبحر الأبيض والأسود والمحيط من جميع جوانبه، وما اتصل بذلك من الموانع كلها قد مضى عليها أزمان متطاولة، وهي سد محكم بينهم وبين الناس لا يجاوزها منهم أحد، بل هم منحازون في أماكنهم وقد زال ذلك كله وشاهدهم الناس وقد اخترقوا هذه البحار، ثم توصلوا إلى خرق الجو بالطائرات وبما هو أعظم منها، فلا يمكن أحدًا إنكار هذا ولا المكابرة فيه.
فجوابه من وجوه؛ أحدها: أن يقال: قد قرر ابن سعدي في هذه الجملة أن السد الذي بين الناس وبين يأجوج ومأجوج إنما هو سد طبيعي من الجبال والمياه وليس بصناعي، وهذا خلاف ما أخبر الله به في كتابه عن السد أنه مبني من زبر الحديد ومفرغ عليه القطر وهو النحاس المذاب، قال الله -تعالى- مخبرًا عن ذي القرنين: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ}، ففي هذه الآيات أبلغ رد على من زعم أن البحر الأبيض والأسود والمحيط من جميع جوانبه وما اتصل به من الموانع الجبلية والمائية هي السد الذي قد حال بين يأجوج ومأجوج وبين الناس، وهل يقول عاقل إن الموانع الجبلية والمائية والبحر الأبيض والأسود والمحيط من جميع جوانبه وما اتصل بذلك من الموانع الجبلية هي السد الذي بناه ذو القرنين، وأن ذلك كله قد أندك وزال وخرج يأجوج ومأجوج على الناس؟ كلا، لا يقول ذلك عاقل، وهل يقول عاقل إن الجو سد مانع من خروج يأجوج ومأجوج وقد اندك بالطائرات وخرج منه يأجوج ومأجوج على الناس؟ كلا، لا يقول ذلك من له أدنى مسكة من عقل.
الوجه الثاني: أن يقال: إن البحار والموانع الجبلية لم تكن سدًا مانعًا من اتصال الأمم بعضها ببعض لا في قديم الدهر ولا في حديثه، بل كان الناس يجتازون البحار على .......