في حديث جابر -رضي الله عنه- الذي رواه الحارث بن أبي أسامة بإسناد جيد وتقدم ذكره، أن المهدي هو الأمير الذي يصلي عيسى ابن مريم خلفه والله أعلم.
وأما قوله في صفحة (3): "وإن فكرة المهدي ليست في أصلها من عقائد أهل السنة القدماء، فلم يقع لها ذكر بين الصحابة في القرن الأول، ولا بين التابعين".
فجوابه من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن خروج المهدي في آخر الزمان من أمور الغيب، التي أخبر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليس ذلك مجرد فكرة كما زعم ذلك ابن محمود تقليدًا لأحمد أمين، فإن الأمور الغيبية لا تدرك بالأفكار، وإنما تعلم بخبر الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
وإذا علم هذا، فالإيمان بخروج المهدي في آخر الزمان داخل في ضمن الإيمان بأن محمدًا رسول الله، ومن لم يؤمن بما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أنباء الغيب، فلا شك أنه لم يحقق الشهادة بالرسالة.
الوجه الثاني: أن يقال: إن العقائد الصحيحة إنما تؤخذ من الكتاب والسنة، فكل ما جاء في الكتاب والسنة من أنباء الغيوب الماضية والآتية، فالإيمان به واجب، وهو من عقائد أهل السنة، ومن ذلك الإيمان بخروج المهدي في آخر الزمان، لأنه قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر بخروجه، فمن لم يؤمن بخروجه فهو مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة شاء أم أبى.
الوجه الثالث: أن يقال: إن ذكر المهدي كان مشهورًا عند الصحابة ومن بعدهم إلى زماننا، وقد روى الأحاديث في ذلك عدد كثير من الصحابة، وجمٌّ غفير من التابعين فمن بعدهم، وقد تقدم إيراد بعض الأحاديث الواردة في ذلك فلتراجع (?)، ففيها أبلغ رد على من زعم أنه لم يقع للمهدي ذِكر بين الصحابة ولا بين التابعين، وهذا الزعم غاية في المكابرة.
ومما يدل على أن ذكر المهدي كان مشهورًا عند التابعين ومن بعدهم، ما رواه ابن سعد في الطبقات: أخبرنا الواقدي قال: سمعت مالك بن أنس يقول: خرج محمد بن عجلان مع محمد بن عبد الله بن حسن حين خرج بالمدينة، فلما قُتل محمد بن عبد الله، وولي جعفر بن سليمان بن علي المدينة، بعث إلى محمد بن