الوجه السادس: أن أقول: قد ذكرت مرارًا في هذا الكتاب أن الأحاديث الثابتة في المهدي بعضها صحيح وبعضها حسن، وليس في أسانيدها اضطراب ولا تعارض بحمد الله، وإنما الاضطراب والتعارض في عقول الذين شرقوا بها وتهجموا عليها، وزعموا أنها مختلقة ومكذوبة ومصنوعة وموضوعة ومزورة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليست من كلامه، وأنها أحاديث خرافة، وأنها نظرية خرافية، وأنها بمثابة حديث ألف ليلة وليلة، فهؤلاء هم الذين اضطربت عقولهم، وتعارضت أفكارهم، وتناقضت أقوالهم، وانعكست عندهم الحقائق، فصاروا يرون الحق في صورة الباطل، والباطل في صورة الحق.
الوجه السابع: أن يُقال: إن ابن محمود رمى بعض علماء الإسلام بضعف العلوم والأفهام من أجل تصديقهم للأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المهدي, وما يدري -هدانا الله وإياه- أن ضعف العلوم والأفهام في الحقيقة إنما هو في الأشخاص الذين اعرضوا عن الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، واعتاضوا عنها بأقوال فلان وعلان من العصريين الذين يعتمدون في رد الأحاديث أو قبولها على مجرد التفكير والنظر، فما وافق تفكيرهم ونظرهم قبلوه وأيدوه ولو كان ضعيفًا أو موضوعًا، وما خالف تفكيرهم ونظرهم ردوه وطعنوا فيه ولو كان من الصحاح أو الحسان، وقد رأيت في كتب بعضهم من هذه التصرفات الخاطئة شيئًا كثيرًا، فهؤلاء هم الذين أضلوا عقول بعض الناس وأفسدوا عقائدهم بما ينشرونه من نظرياتهم الفاسدة وتفكيراتهم الخاطئة، ولا سيما في معارضة المعجزات، وخوارق العادات، وأشراط الساعة، وما جرى هذا المجرى مما لا تحتمله عقولهم وأفكارهم.
وأما قوله: وأحكموا أسانيدها عن أكثر الموتى.
فجوابه: أن يقال: هذا كلام غير معقول؛ لأن قوله عن أكثر الموتى يشمل أكثر الموتى من أول الدنيا إلى زمان الأئمة المخرجين لأحاديث المهدي، ولا يخفى ما في هذا التعبير من الفساد الذي يتنزه عنه كل عاقل، وقد نقل ابن محمود قوله: وأحكموا أسانيدها ... من كلام أحمد أمين، كما تقدم بيان ذلك في الوجه الثالث، ثم ختم ابن محمود هذه الكلمة الباطلة بقوله عن أكثر الموتى، فزاد الكلمة فسادًا إلى ما فيها من الفساد من قبلُ، وصارت هذه الجملة من قبيل الهذيان، وهذا مما حصل لابن محمود بعد توسعه في العلوم والفنون، والاستخفاف بالأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المهدي، وقلة المبالاة بها.