وقال ابن محمود في صفحة (25): "ففكرة المهدي وسيرته وصفته لا تتفق مع سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته بحال، فقد أثبتت التآريخ الصحيحة حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بداية مولده إلى حين وفاته كما أثبتها القرآن، وليس فيها شيء من ذكر المهدي، كما لا يوجد في القرآن شيء من ذلك. فكيف يسوغ لمسلم أن يصدق به، والقرائن والشواهد تكذب به؟ وما هذا التهالك في محبته والدعوة إلى الإيمان به، وهو رجل من بني آدم، ليس بملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا يأتي بدين جديد من ربه مما يجب الإيمان به؟
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن أقول: قد ذكرت مرارًا أن خروج المهدي في آخر الزمان ثابت بالسنة وليس ذلك مجرد فكرة، وقد تقدم الجواب عن ذلك في عدة مواضع.
الوجه الثاني: أن يقال: قد جاء في أحاديث صحيحة عن علي وابن مسعود وأبي سعيد -رضي الله عنهم- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن المهدي أنه يملأ الأرض قسطًا وعدلا، وهذا يتفق مع سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته غاية الاتفاق، وجاء في حديث أم سلمة -رضي الله عنها- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في المهدي: «فيقسم بين الناس فيئهم، ويعمل فيهم بسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض». وقد صححه ابن حبان، وقال الهيثمي: "رجاله رجال الصحيح"، وقال ابن القيم في كتابه "المنار المنيف": "والحديث حسن، ومثله مما يجوز أن يقال فيه صحيح". وفي هذا الحديث وما قبله أبلغ رد على قول ابن محمود: إن سيرة المهدي لا تتفق مع سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته بحال.
قال الخطابي في "معالم السنن": "الجران مقدم العنق، وأصله في البعير إذا مد عنقه على وجه الأرض، فيقال: ألقي البعير جرانه، وإنما يفعل ذلك إذا طال مقامه في مناخه، فضرب الجران مثلا للإسلام، إذا استقر قراره فلم يكن فتنة ولا هيج، وجرت أحكامه على العدل والاستقامة". انتهى.
الوجه الثالث: أن يقال: وكيف يسوغ لمسلم أن ينكر خروج المهدي في آخر الزمان، ويرد الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ويكذب بها، ويزعم أنها مختلقة ومكذوبة ومصنوعة وموضوعة ومزورة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليست من كلامه، وأنها أحاديث خرافة، وأنها نظرية خرافية، وأنها بمثابة حديث ألف ليلة وليلة؟ هذا مما يستغرب وقوعه من المسلم فضلا عمن ينتسب إلى العلم.