فالجواب: أنها لم تفصح برد الشفاعة وإنما قالت بعد استخبارها كما هو أمر، واجب الامتثال فيجب عليها امتثاله أو مشورة، فيتخير فيه، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما أشفع" أي أقول ذلك على سبيل الشفاعة له، لا على سبيل الحتم عليه، مراعية للأدب: لا حاجة لي فيه، وهي في قولها شبيهة بقول من قال: إن امرأتي لا ترد يد لامس بعد أمره صلى الله عليه وسلم بطلاقها: إني أحبها. بل هذه صرح فيه بالأمر، ومع ذلك فلما اعتذر بمحبتها عذره النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال له: "أمسكها" ولعله صلى الله عليه وسلم علم أن ما شكاها به مجرد ظن دون ما أبداه عن نسه فلا يترك ما هو محقق مما قد يتوقع بالفراق معه الضرر، لأمر مظنون سيما مع توجهه صلى الله عليه وسلم إليه في إصلاحها إذ أمره بإمساكها، كما أن بريرة لما اعتذرت بعدم حاجتها ولاحظت فيما يظهر الخوف من عدم قيامها بواجب حق مغيث لعدم رغبتها فيه أو رأت عدم إعفافها به، أقره صلى الله عليه وسلم وعذرها، وصار دليلاً لجواز مخالفة الشوير، ولو عظم فيما يشير به في غير الواجب، وأنه لا يجب على المشفوع عنده القبول سيما فيما يخشى معه من ارتكاب محظور، ويجوز أن تكون بريرة أحبت التفرغ لخدمته صلى الله عليه وسلم، وأن لا يقطعها عنها شاغل بزوج، ولا غيره، في ليل ولا نهار، وحينئذٍ فقد بالغت في سلوك الأدب ورأت أرجحيته على امتثال الأمر، وعلى كل حال، فما أحسن قول فاطمة ابنة قيس رضي الله عنها لما أشار عليها النبي صلى الله عليه وسلم بتزويج أسامة بن زيد رضي الله عنهما وكرر ذلك، وامتثالها بعد تصريحها بكراهته: فجعل الله فيه خيرًا واغتبطت به. ووراء هذا حديث يقتضى الإذن في هذا، وشبهه، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلحقون النخل فقال: "لو لم تفعلوا لصلح" قال: فخرج شيصًا ثم مر