أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل أضرُّ ما على أديان الناس وأبدانهم" (?).
وذلك لأنه إذا ورد في الشرع حُكْمٌ مُطْلَقٌ من غير تقييدٍ ولا تقديرٍ فإنه يعني أن الشارع أحال المجتهدَ فيه إلى العُرف الذي يختلف باختلاف الأحوال والأزمنة والأمكنة, وهو من صور العدل والرحمة في هذه الشريعة؛ لأن حمل الناس في كلِّ زمانٍ ومكانٍ على حُكْم له صورةٌ واحدةٌ مع اختلاف أحوالهم فيه من العَنَت والمشقة بالمكلَّفين ما يُخرِج تلك الأحكام عن سَمْتِ الرسالة التي بُعِث بها النبي صلى الله عليه وسلم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء: 107].
وعلى هذا فإنه لابدَّ للمجتهد في تحقيق مناطات الأحكام المترتبة على العُرف أن يكون عالماً بعادات أهل عصره, والأعرافِ الغالبةِ في أقوالهم وأفعالهم وبيوعاتهم ومناكحاتهم وكافّة تعاقداتهم.
ثانياً: يُعْتَبر العُرف من أهم مسالك تحقيق المناط في الأحكام الشرعيَّة المطلقة التي لم يَرِد فيها تحديدٌ أو تقدير.
وهو: أن يدلَّ العُرف - سواءٌ كان عامّاً أو خاصّاً - على ثبوت مُتعَلَّق الحُكْم الشرعي في بعض جزئياته كما تقدَّم (?).
ومن صور تحقيق المناط بالعُرف: حمل الأحكام الشرعيَّة المطلقة التي أناط الشارع الحُكْم فيها بالعُرف صراحةً على عادات الناس الغالبة أثناء تنزيل تلك الأحكام على الوقائع المتعلِّقة بهم.
فكلُّ مارَدَّ الشرعُ الاجتهادَ في تقديره إلى العُرف بنصِّ الكتاب أو السُّنَّة فإنه يجب تحقيق المناط فيه بما غلب على الناس من أعرافهم وعاداتهم في ذلك الشيء, وهو ما يختلف بحسب الأزمنة والأمكنة والأحوال الجارية في الخلق.
ومن الأمثلة على ذلك: قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 233].