ومن الأمثلة على ذلك: من كان في يده نصاب زكاةٍ فباعَه أو وهبَه قبل تمام الحول، ثم استردَّه، فهذه حيلةٌ مُحَرَّمَةٌ باطلة، ولا يُسْقِط ذلك عنه فرضَ الله الذي فرضه وأوعد بالعقوبة الشديدة من ضيَّعه وأهمله، فلو جاز إبطاله بالحيلة التي هي مَكْرٌ وخِداعٌ لم يكن في إيجابه والوعيد على تركه فائدة (?).
فالمجتهد في هذه الصورة اعتبر مقصود المكلَّف من تصرُّفه وتحايله على ما أوجب الله في ماله من الزكاة لإسقاطه , فأبطل تصرُّفه ولم يُبْرِأ ذمَّتَه من الواجب الذي في مالِه؛ لأنه كان يتذرَّع بذلك الفعل لإسقاط الزكاة الواجبة عليه في ذلك المال, وهو من صور الاجتهاد في تحقيق المناط الذي من ضوابطه مراعاة مقاصد المكلَّفين في التصرُّفات سدَّاً للذرائع المفضية إلى تعطيل مقاصد الشرع في الأحكام.
قال الشاطبي: " لما ثبت أن الأحكام شُرِعت لمصالح العباد كانت الأعمال مُعْتَبَرةً بذلك؛ لأنه مقصود الشارع فيها كما تبيَّن، فإذا كان الأمر في ظاهره وباطنه على أصل المشروعية فلا إشكال، وإن كان الظاهر موافِقاً والمصلحة مخالِفة؛ فالفعل غير صحيحٍ وغير مشروع؛ لأن الأعمال الشرعيَّة ليست مقصودةً لأنفسها، وإنما قُصِد بها أمورٌ أُخَر هي معانيها، وهي المصالح التي شُرِعت لأجلها, فالذي عمل من ذلك على غير هذا الوضع فليس على وضع المشروعات" (?).
ثالثاً: قد يتفق المجتهدون على العمل بقاعدة سدِّ الذرائع, ولكن يختلفون في تحقيق مناط هذه القاعدة في بعض الصور والجزئيات الحادثة التي قد لا يظهر فيها رجحان المصالح أو المفاسد بشكلٍ جلي , وهو من أكثر صور الاختلاف بين المجتهدين في النوازل والمستجدات.
وتوضيح ذلك أن الذرائع منها ما يتبيَّن للمجتهد إفضاؤها للمفسدة غالباً ,