الذي لابدَّ لهم منه والدواء الذي لا يندفع الداء إلا به، فإذا احتال العبد على تحليل ما حرَّم الله، وإسقاط ما فرض الله، وتعطيل ما شرع الله، كان ساعياً في دين الله بالفساد من وجوه:

أحدها: إبطاله ما في الأمر المُحتال عليه من حكمة الشارع ,ونقض حكمته فيه, ومناقضته له.

والثاني: أن الأمر المُحتال به ليس له عنده حقيقة، ولا هو مقصوده، بل هو ظاهر المشروع؛ فالمشروع ليس مقصوداً له، والمقصود له هو المُحْرَّم نفسه، وهذا ظاهرٌ فيما يقصد الشارع؛ فإن المُرابي مثلاً مقصوده الرِّبا المُحْرَّم، وصورة البيع الجائز غير مقصودةٍ له، وكذلك المتحيل على إسقاط الفرائض بتمليك مالِه لمن لا يهبه درهماً واحداً حقيقةُ مقصودِه إسقاطُ الفرض، وظاهر الهبة المشروعة غير مقصودةٍ له.

الثالث: نسبته ذلك إلى الشارع الحكيم, وإلى شريعته التي هي غذاء القلوب ودواؤها وشفاؤها، ولو أن رجلاً تحيَّل حتى قَلَبَ الغذاء والدواء إلى ضدِّه، فجعل الغذاءَ دواءً والدواءَ غذاءً، إما بتغيير اسمه أو صورته مع بقاء حقيقته لأهلك الناس، فمن عمد إلى الأدوية المُسهِلة فغيَّر صورتها أو أسماءها وجعلها غذاء للناس، أو عمد إلى السموم القاتلة فغيَّر أسماءها وصورتها وجعلها أدوية، أو إلى الأغذية الصالحة فغيَّر أسماءها وصورها؛ كان ساعياً بالفساد في الطبيعة، كما أن هذا ساعٍ بالفساد في الشريعة؛ فإن الشريعة للقلوب بمنزلة الغذاء والدواء للأبدان، وإنما ذلك بحقائقها لا بأسمائها وصورها" (?).

ولهذا اعتبر الشاطبي الضابط في الحيل المْحُرَّمَة ماعاد على مقاصد الشرع بالنقض والهدم فقال "فالحيل التي تقدَّم إبطالها وذمُّها والنهي عنها: ما هدم أصلاً شرعياً وناقض مصلحةً شرعية" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015