ومنها ما يتبيَّن إفضاؤها للمفسدة نادراً , ومنها ما يتبيَّن إفضاؤها للمفسدة كثيراً.
ومن الذرائع ما يُفْضِي إلى مفسدةٍ راجحة , ومنها ما يُفْضِي إلى مفسدةٍ مرجوحة.
وإنما المُعْتَبَر في ذلك كلَّه: الذرائع التي تُفْضِي غالباً أو كثيراً إلى مفسدةٍ راجحة , أو تفوِّت مصلحةً راجحة.
قال ابن تيمية: " الذرائع إذا كانت تُفْضِي إلى المُحْرَّم غالباً فإنه يحرِّمها مطلقاً, وكذلك إن كانت قد تفضي وقد لا تفضي لكن الطبع متقاضٍ لإفِضائها , وأما إن كانت إنما تُفْضِي أحياناً فإن لم يكن فيها مصلحةٌ راجحةٌ على هذا الإفضاء القليل، وإلا حرَّمها أيضاً " (?).
وقال ابن القيم: " "باب سدِّ الذرائع متى فاتت به مصلحةٌ راجحةٌ, أو تضمَّن مفسدةً راجحةً لم يُلتفت إليه" (?).
ومن هنا ينشأ الخلاف بين المجتهدين في تحقيق مناط هذا الكلي على صورةٍ من الصور , فيرى بعضهم أن الذريعة في تلك الصورة تُفْضِي للمفسدة غالباً , وبعضهم يرى أنها تُفْضِي لمفسدةٍ ولكنها مرجوحةٌ في مقابل مصلحةٍ راجحة , وبعضهم يرى أنها لا تُفْضِي للمفسدة غالباً , وكلُّ ذلك من الاختلاف في تحقيق مناط سدِّ الذرائع في الصور والجزئيات الحادثة.
والوسائل إما أن تؤدي إلى مصالح محضة ,أو إلى مفاسد محضة, أو إلى مصالح ومفاسد مختلطة ,فالشارع حينئذٍ يقصد تحصيل المصالح المحضة ,ودرء المفاسد المحضة ,وتحصيل المصالح الراجحة, ودرء المفاسد الراجحة, والعبرة بالغالب.
قال الشاطبي: " فالمصالح والمفاسد الراجعة إلى الدنيا إنما تُفْهَم على مقتضى ما غلب، فإذا كان الغالب جهة المصلحة، فهي المصلحة المفهومة عُرْفاً، وإذا غلبت الجهة الأخرى فهي المفسدة المفهومة عُرْفاً، ولذلك كان