لم يقصدها , وذلك عملاً بقاعدة سدِّ الذرائع في الأحكام , وهي في الأصل نظرٌ في مآلات تلك الوسائل.
ومن الأمثلة على ذلك: مَنْعُ عمر رضي الله عنه بعضَ الصحابة من الزواج بالكتابيات مع إباحة الشرع لذلك بصريح الكتاب ,وهو قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5].
وذلك " حذراً من أن يقتدي بهم الناس في ذلك، فيزهدوا في المسلمات " (?).
فكان هذا التصرُّف الاجتهادي من عمر رضي الله عنه عملاً بقاعدة سدِّ الذرائع , حيث نظر إلى ماسيؤول إليه الفعل من مفسدةٍ راجحةٍ لو بقي الأمر على ظاهر الإباحة , فكان القول بمنعه في تلك الحالة أولى , وهو من الاجتهاد في تحقيق المناط الذي من ضوابطه اعتبار مآلات الأفعال.
ثانياً: من ضوابط الاجتهاد في تحقيق المناط مراعاة مقاصد المكلَّفين في التصرُّفات (?).
ومن الذرائع التي يجب سدُّها ما قصد المكلَّف فيه بالمباح التحايُّلَ على مقصود الشارع , فينتج عن ذلك مفسدةٌ راجحة.
وقد سبقت الإشارة إلى أن سدَّ الذرائع يشمل ما قصد المكلَّف فيه المفسدة وما لم يقصد , وأن الحيل ما قصد المكلَّف فيه المفسدة بفعل المباح, وهي مخالَفةٌ للشرع أشنع من الأولى وأقبح عياذاً بالله.
قال ابن تيمية: "الذرائع حرَّمها الشارع وإن لم يقصد بها المُحَرَّم خشية إفضائها إلى المُحْرَّم، فإذا قصد بالشيء نفسَ المُحْرَّم كان أولى بالتحريم من الذرائع" (?).