قال النووي: "إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحةٌ ومفسدةٌ, وتعذَّر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بُدِئ بالأهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن نقض الكعبة وردَّها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم مصلحة, ولكن تُعارِضُه مفسدةٌ أعظم منه, وهي خوف فتنةِ بعضِ مَنْ أسْلَمَ قريباً؛ وذلك لِما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة فيرون تغييرها عظيماً , فتركها صلى الله عليه وسلم" (?).
وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله: "باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يَقْصُرَ فَهْمُ بعض الناس عنه، فيقعوا في أشدّ منه" (?).
ثانياً: أنَّ الله - عز وجل- توعَّد بالعقاب من يحتال إلى الممنوع بفعلٍ جائز, فدلَّ ذلك على تحريم الفعل الجائز إذا كان يُتوسَّل به إلى ممنوع، وهذا هو عين سدِّ الذرائع (?).
ومن ذلك: أن الله - جل وعلا- ذمَّ أصحاب السبت؛ لأنهم احتالوا على ما حرَّمه عليهم من صيد الحيتان يوم السبت، وابتلاهم الله - عز وجل - بأن جعل الحيتان تأتيهم يوم السبت شُرَّعاً، ولا تكون على هذه الحالة باقي الأيام، فاحتالوا على ذلك؛ بأن حفروا لها حفراً في البحر تحجزها ليسهل عليهم صيدها في باقي الأيام (?).
قال تَعَالَى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)} [الأعراف: 163].