ونقل الزركشي عن القرطبي قوله: " وسدُّ الذرائع ذهب إليه مالك وأصحابه , وخالفه أكثر الناس تأصيلاً، وعملوا عليه في أكثر فروعهم تفصيلاً" (?).

ومن أهم الأدلة على اعتبار قاعدة سدِّ الذرائع في الأحكام مايأتي:

أولاً: جاء الشرع بتحريم وسائل لاشكَّ في إباحتها لو تجرَّدت عما أفضت إليه, وقد تتجرَّد فترجع إلى أصل الإباحة, وانما حرَّمها الشارع، لعِلَّة إفضائها إلى مُحَرَّم , ومن ذلك:

- قوله تعالى {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108].

فالله - عز وجل - حرّم سبَّ آلهة الكفار مع أنه عبادة، وعلَّل هذا المنع بكونه ذريعةً إلى سبِّهم له -جلَّ وعلا- فمصلحة تركهم سبّ الله - سبحانه - راجحةٌ على مصلحة سبِّنا لآلهتهم (?).

- تركُه صلى الله عليه وسلم قتلَ المنافقين، مع أنَّ في قتلهم مصلحةً كبيرة، وذلك لئلا يكون ذريعةً إلى قول الناس: "إنَّ محمداً يقتل أصحابه" (?) وهذا القول يوجب النفور عن الإسلام , ومفسدة التنفير أكبر من مفسدة ترك قتلهم، ومصلحة التأليف أعظم من مصلحة القتل (?).

- قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "لولا قومك حديثو عهدٍ بكفرٍ لنقضتُ الكعبةَ فجعلت لها بابين، بابٌ يدخل منه الناس، وبابٌ يخرجون" (?).

فكان تركُه صلى الله عليه وسلم لذلك سدَّاً للذريعة؛ حتى لايوجب استنكار الناس، وربما أدّى ذلك إلى ارتداد بعض مَن دخل في الإسلام حديثاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015