مُسَلَّمَة، ولكن وقع الاختلاف في الحُكْم بثبوتها في صورةٍ معيَّنةٍ، مابين مُثْبِتٍ لوجود تلك المصلحة في تلك الصورة بعينها، وبين نافٍ لوجودها فيها، وهي المقدِّمة الثانية.
وبهذا يكون محلُّ النظر والتأمل والاجتهاد هو المقدمة الثانية.
قال الشاطبي: "والذي يقال فيه أن خاصية المقدِّمة النقلية أن تكون مُسَلَّمَةً إذا تحقَّق أنها نقلية؛ فلا تفتقر إلى نظرٍ وتأملٍ إلا من جهة تصحيحها نقلاً، ونظير هذا في العقليات المقدَّمات المُسَلَّمَة، وهي الضروريات وما تنزَّل منزلتها مما يقع مُسَلَّمَاً عند الخصم؛ فهذه خاصيَّة إحدى المقدِّمتين، وهي أن تكون مُسَلَّمَة" (?).
وقد تقدَّم أن الشريعة لم تنصُّ على حُكْم كلِّ جزئيةٍ على حِدَتِها، وإنما أتت بأمورٍ كليَّةٍ وعبارات مُطْلَقَةٍ تتناول أعداداً لا تنحصر (?).
وقد شملت هذه الكليَّات مصالح الخلق في العاجل والآجل , ولم يتبق إلا الاجتهاد في تحقيق مناطاتها في الفروع والجزئيات الحادثة.
وإذا حصل خلافٌ ممن هو أهلٌ للاجتهاد في تحقيق مناطات تلك المصالح الكليَّة في بعض الصور والجزئيات فلاحرج حينئذٍ" لأن الأمر في ذلك راجعٌ إلى أمرٍ ظنِّيِّ مُجْتَهَدٍ فيه" (?).
والعبرة في تحقيق مناطات المصالح الكليَّة تحقُّق الظنِّ الراجح الذي لا يعارضه ما هو أقوى منه.
قال ابن عبد السلام: " لمَّا كان الغالب صدق الظنون بُنيَت عليها مصالح الدنيا والآخرة ; لأن كذبها نادر، ولا يجوز تعطيل مصالح صدَّقها الغالب خوفاً من وقوع مفاسد كذَّبها النادر، ولا شك أن مصالح الدنيا والآخرة مبنيَّةٌ على الظنون " (?).