وأكثر المصالح والمفاسد إنما تُعْرَف بالتقريب لا بالتحديد.
قال ابن عبدالسلام: " أكثر المصالح والمفاسد لا وقوف على مقاديرها وتحديدها، وإنما تُعرف تقريباً؛ لعزة الوقوف على تحديدها" (?).
ولا يشترط فيها القطع " إذ لو شُرِط فيها العلم لفات معظم المصالح الدنيوية والأخروية" (?).
ولذلك يقع الخلاف كثيراً بين المجتهدين في تحقيق مناطات المصالح والمفاسد , ولاسيما التي لم يرد بشأنها دليلٌ خاصٌّ بالاعتبار أو بالإلغاء, وهي المصالح المُرْسَلة.
ثالثاً: الأحكام الشرعيَّة مطَّرَدةٌ لا تختلف ولا تتغيَّر , وإنما الذي يتغيَّر هو محل ذلك الحُكْم الذي يتحقَّق فيه المناط أو يتخلَّف عنه، إما لفقدان شرطٍ أو لوجود مانع.
و" حُكْم الله ورسوله لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان وتطوّر الأحوال وتجدّد الحوادث، فإنه ما من قضيةٍ كائنةً ما كانت إلا وحكمها في كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم نصَّاً أو ظاهراً أو استنباطاً، أو غير ذلك، عَلِم ذلك من عَلِمَه وجَهِله من جَهِله , وليس معنى ما ذكره العلماء من تَغَيُّر الفتوى بتغيُّر الأحوال ما ظنَّه مَن قَلّ نصيبهم - أو عُدِم - مِن معرفة مدارك الأحكام وعللها، حيث ظنَّوا أن معنى ذلك بحسب ما يلائم إرادتهم الشهوانية البهيمية وأغراضهم الدنيوية وتصوراتهم الخاطئة الوَبِيّة، ولهذا تجدهم يُحَامُون عليها، ويجعلون النصوص تابعةً لها منقادةً إليها مهما أمكنهم، فيُحَرّفون لذلك الكَلِم عن مواضعه، وحينئذٍ مَعنى تَغَيُّر الفتوى بتغيُّر الأحوال والأزمان مُراد العلماء منه ما كان مُسْتَصْحَبةً فيه الأصول الشرعيَّة والعِلل المرعية، والمصالح التي جِنسها مُراد لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم" (?).