والفرق بين الصورتين أن المعاني في القياس ترجع إلى أصلٍ معين، بينما المعاني في المصالح المُرْسَلة لاترجع إلى أصلٍ معين، وإنما ترجع إلى أصولٍ كليَّة.
قال الغزالي: " كلُّ مصلحةٍ رجعت إلى حفظ مقصودٍ شرعيٍّ عُلِمَ كونه مقصوداً بالكتاب والسُنَّة والإجماع فليس خارجاً من هذه الأصول، لكنه لا يُسمَّى قياساً بل مصلحة مُرْسَلة، إذ القياس أصلٌ معيَّن، وكون هذه المعاني مقصودةً عُرِفَت لا بدليلٍ واحد، بل بأدلةٍ كثيرةٍ لا حصر لها من الكتاب والسُّنَّة وقرائن الأحوال وتفاريق الأمارات، تُسمَّى لذلك مصلحةً مُرْسَلة" (?).
وقد تقدَّم أن العِلَّة هي: الوصف الظاهر المنضبط المُعَرِّف للحكم بوضع الشارع (?)، فمثلًا: أوجب الشارع قطع يد السارق، وإذا بحثنا عن عِلَّة هذا الحُكْم نجد أنها: السرقة، والسرقة من الأوصاف الظاهرة التي لا تخفى على أحد، كما أنها منضبطةٌ لا تختلف من شخصٍ لآخر أو من مكانٍ لآخر.
أما الحكمة فهي: المصلحة التي قصد الشارع من تشريع الحُكْم تحقيقها أو تكميلها, أو المفسدة التي قصد الشارع بتشريع الحُكْم دفعها أو تقليلها، فإذا كانت العِلَّة في قطع يد السارق هي: السرقة، فإن الحكمة من تشريع هذا الحدِّ: حفظ أموال الناس وحمايتها وصيانتها.
وبهذا يتبين أن حِكْمَة الحُكْم: هي الباعث على تشريعه, أما عِلَّة الحُكْم فهي الأمر الظاهر المنضبط الذي بنى الشارع الحُكْم عليه، وربطه به وجودًا وعدمًا; لأن من شأن إناطة الحُكْم به تحقُّق حِكْمَة تشريع الحُكْم منه.
ومن أنواع التعليل المُعتبَرة: "التعليل بالحِكْمَة الظاهرة المنضبطة" (?).