المطلب الثالث: علاقة الاجتهاد في المناط بالمصلحة المرسلة.

يُعْتَبر دليل المصلحة المرسلة من أوثق الأدلة الشرعيَّة صلةً بالاجتهاد في المناط , وتظهر العلاقة الوثيقة بينهما في جوانب عديدة , من أهمها ما يأتي:

أولاً: تقدَّم أن المناط اصطلاحاً يعني: العِلَّة، وهي: ما أناطَ الشارعُ الحُكْم به وأضافه إليه (?).

والمجتهد قد يجد عند بحثه عن العِلَّة في حُكْم الأصل وصفاً ظاهراً منضبطاً يمكن تعديته إلى الفرع، فلايعدل حينئذٍ عن إجراء القياس.

وقد لايجد إلا معنىً مناسباً يلائم تصرُّفات الشارع في تحقيق المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، فيفزع حينئذٍ للاستنجاد به، وبناء الأحكام عليه في النوازل والمستجدات.

وذلك لأن المجتهد عندما يبحث في حُكْم النازلة فإنه إما أن يجد لها نظيراً في الكتاب أو السُّنَّة فيقيس ما لم يَرِدَ حكمه على ما ورد حكمه بجامعٍ مشترك.

وإما أنه لا يجد لتلك النازلة نظيراً بعينه في الكتاب أو السُّنَّة يقيس عليه، فيلجأ إلى النظر في المعاني الكليَّة التي جرت عليها تصرُّفات الشارع، فيحكم بها على تلك النازلة.

وهذا الاجتهاد يشمل المعاني الجزئية والكليَّة التي أناط الشارع الأحكام عليها وجوداً وعدماً.

قال الشافعي: " "كلُّ حُكْمٍ لله أو لرسوله وجدت عليه دلالةٌ فيه أو في غيره من أحكام الله أو رسوله بأنه حُكِمَ به لمعنىً من المعاني، فنزلت نازلةٌ ليس فيها نصُّ حُكْمٍ - حُكِمَ فيها حُكْمُ النازلة المحكوم فيها، إذا كانت في معناها" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015