قال ابن تيمية: " وهنا نوعٌ ثانٍ يُسمَّى تنقيح المناط، وهو أن يكون الشارع قد نصَّ على الحُكْم في عينٍ معيَّنة، وقد عُلِمَ بالنصِّ والإجماع أنَّ الحُكْم لا يختصُّ بها، بل يتناولها وغيرَها، فيحتاج أن ينقَّح مناط الحكم، أي يمَّيز الوصف الذي تعلَّق به ذلك الحكم، بحيث لا يُزداد عليه ولا يُنْقَص منه" (?).
ومن الأمثلة التي توضح ذلك: إلغاء الوصف الفارق وهو الذُّكورة بين العبد والأَمَة في قوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وذلك بحذف خصوصية الوصف الذي دلَّ ظاهر النصِّ على عليَّته وهو" الأنوثة "، وتعيين وصف " الرِّق " مناطاً للحُكْم الذي هو تشطير الحدِّ، فوجب استواؤهما فيه؛ لما عُلِمَ من عادة الشرع التسوية بين الذَّكَرِ والأنثى في ذلك (?).
خامساً: إن الكتاب من المسالك المُعْتَبرة في تحقيق مناطات الأحكام (?).
ولكن ذلك قليل جداً؛ لأن أكثر أحكام الكتاب - كما تقدَّم - كلي (?).
قال ابن تيمية: " الشرائع جاءت بالأحكام الكليَّة مثل إيجاب الزكوات وتحريم البنات والأخوات، ولا يمكن أَمْرُ أحدٍ بما أمره الله به ونهيه عما نهاه الله عنه إن لم يُعْلَم دخوله في تلك الأنواع الكليَّة، وإلا فمجرد العلم بها لا يمكن معه فعل مأمورٍ ولا ترك محظورٍ إلا بعلمٍ معينٍ بأن هذا المأمور داخلٌ فيما أمر الله به، وهذا المحظور داخلٌ فيما نهى الله عنه، وهذا الذي يُسمَّى تحقيق المناط " (?).