وتعليل الخلق بهما، والتنبيه على وجوه الحِكَم التي لأجلها شَرَعَ تلك الإحكام، ولأجلها خَلَقَ تلك الأعيان، ولو كان هذا في القرآن والسُّنَّة في نحو مائة موضعٍ أو مائتين لسقناها، ولكنَّه يزيد على ألف موضعٍ بطرقٍ متنوعةٍ، فتارةً يذكر لام التعليل الصريحة، وتارةً يذكر المفعول لأجله الذي هو المقصود بالفعل، وتارةً يذكر" مِنْ أجل" الصريحة في التعليل، وتارةً يذكر أداة كي، وتارةً يذكر الفاء وإنَّ، وتارةً يذكر أداة لعلَّ المتضمنة للتعليل المجرَّدة عن معنى الرجاء المضاف إلى المخلوق، وتارةً ينبِّه على السبب يذكره صريحاً، وتارةً يذكر الأوصاف المشتقَّة المناسبة لتلك الأحكام، ثم يرتِّبها عليها ترتيب المسبَّبات على أسبابها." (?).
ويُعْتَبر نصُّ الكتاب أهم المسالك الدالة على مناطات الأحكام , وهو مقدَّمٌ على غيره من المسالك الأخرى.
" قال الشافعي - رضي الله عنه -: متى وجدنا في كلام الشارع ما يدل على نَصْبِه أدلةً أو أعلاماً ابتدرنا إليه، وهو أولى ما يُسْلَك " (?).
وإذا تقرَّر ماسبق , وثبت مناط حُكْمٍ بنصِّ الكتاب كما في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] لم يبق حينئذٍ إلا الاجتهاد في إثبات وجود ذلك المناط - وهو وصف السرقة- على بعض أفراده الدَّاخلة تحته , كتحقيق أن النبَّاش سارق، فيجب عليه الحدُّ وهو القطع.
رابعاً: النصُّ من أهم المسالك المُعْتَبرة في تنقيح مناطات الأحكام, وهو يشمل نصوص الكتاب والسُّنَّة , وما عُلِمَ من عادتهما في شرع الأحكام.
والمناط لا يتجرَّد ويتلخَّص متميزاً بحدِّه على كلِّ ما لا يُعْتَبر فيه، وجامعاً لجميع ما هو معتبرٌ فيه إلا بالتوقيف والتعريف من جهة الشارع كما تقدم بيانه (?).