الذي قامت به الأرض والسماوات، فإذا ظهرت أمارات العدل، وأسفر وجهه بأي طريقٍ كان، فثمَّ شرعُ الله ودِينُه، والله سبحانه أعلمُ وأحكمُ وأعدلُ من أن يخُصَّ طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيءٍ، ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالةً وأبيَنُ أمارة، فلا يجعلها منها، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها، بل قد بيَّن الله سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده، وقيام الناس بالقسط، فأي طريقٍ استخرج بها العدل والقسط فهي من الدِّين ليست مخالِفةً له" (?).
وإن الاقتصار في إثبات الحقوق على الشهادة والإقرار واليمين والكتابة، وإهدار الحُكْم بالقرائن القوية التي لم يعارضها ما هو أرجح منها، يؤدي إلى إضاعة كثيرٍ من الحقوق، وتعطيل كثيرٍ من الأحكام.
قال ابن القيم: " فالحاكم إذا لم يكن فقيه النَّفْسِ في الأمارات ودلائل الحال ومعرفة شواهده، وفي القرائن الحالية والمقالية، كفقهه في جزئيات وكليَّات الأحكام أضاع حقوقاً كثيرةً على أصحابها، وحكَمَ بما يعلم الناسُ بطلانَه لا يشكَّون فيه، اعتماداً منه على نوعٍ ظاهرٍ لم يلتفت إلى باطنه وقرائن أحواله " (?).
والقرائن تختلف في دلالتها قوةً وضعفاً بحسب قوة الاحتمالات الداخلة عليها وضعفها، فكلَّما سلمت القرينة من الاحتمالات القوية الواردة عليها كانت أقوى في دلالتها وترتيب الحُكْم عليها (?).
والضابط في القرائن المُعْتَبرة: كلُّ قرينةٍ تفيد ظناً قويَّاً راجحاً لا معارِض له أقوى منه (?).
وذلك جرياً على قاعدة: الظنُّ الرَّاجح يقوم مقام العلم عند تعذُّره كما تقدَّم (?).