تُسَمَّى: "تحقيق المناط" مثل كون الشخص المُعَيَّن عَدْلاً أو فاسقاً أو مؤمناً أو منافقاً أو وليَّاً لله أو عدوَّاً له، وكون هذا المُعَيَّن عدوَّاً للمسلمين يستحقُّ القتل، وكون هذا العقار ليتيمٍ أو فقيرٍ يستحقُّ الإحسان إليه، وكون هذا المال يُخَاف عليه من ظلم ظالمٍ فإذا زهد فيه الظالم انتفع به أهله، فهذه الأمور لا يجب أن تُعْلَم بالأدلة الشرعيَّة العامة الكليَّة، بل تُعْلَم بأدلةٍ خاصةٍ تدلُّ عليها" (?).
وعلى هذا فالمسالك الدَّالة على ثبوت مناط الحُكْم في بعض أفراده قد ترجع إلى النقل المحضّ وهو قليل، وقد ترجع إلى الرأي والنظر وهو كثير.
ولذلك لمَّا ذكر الغزالي الأصول الخمسة التي يُدْرَكُ بها وجود المناط في الفرع قال: "وفيه أصولٌ أُخَر يطول تعدادها، وهو على التحقيق تسعة أعشار النظر الفقهي" (?).
وفيما ذكر الغزالي إشارةٌ إلى أن أكثر المسالك التي يُدْرَكُ بها ثبوت المناط في بعض أفراده ترجع إلى الاجتهاد والنظر.
وقال ابن تيمية: "فالرأي كثيراً ما يكون في تحقيق المناط الذي لا خلاف بين الناس في استعمال الرأي والقياس فيه، فإنَّ الله أَمَرَ بالعدل في الحكم، والعدل قد يُعْرَف بالرأي، وقد يُعْرَف بالنصِّ" (?).
ولهذا فقد ارتأيت تقسيم المسالك التي يُدْرَك بها ثبوت المناط في بعض أفراده بعد ثبوته في الأصل إلى: مسالك نقلية، ومسالك اجتهادية.
والمراد بالمسالك النقلية: أن يدلَّ دليلٌ نقليٌّ على ثبوت مناط الحُكْم في بعض أفراده.
والمراد بالمسالك الاجتهادية: أن يدلَّ دليلٌ اجتهاديٌّ على ثبوت مناط الحُكْم في بعض أفراده.
وسأتناول في هذا الفصل أهمَّ المسالك النقلية والاجتهادية مع ذكر أمثلةٍ توضيحيةٍ لها، وذلك من خلال مبحثين: