فرونق الشمس أحياناً يضاحكها ... وريق الغيث أحياناً يباكيها

إذا النجوم تراءت في جوانبها ... ليلاً حسبت سماءً ركبت فيها

لا يبلغ السمك المحصور غايتها ... لبعد ما بين قاصيها ودانيها

فهذا الوصف الأدبي الجميل يجعل قارئ القصيدة كأنه ينظر إلى تلك البركة المملوءة ماءً، وقد بلغت من حسنها وفضل رتبتها أنها الأولى والبحر ثانيها، وقد نافسها نهر دجلة المتدفق بمائه العذب كغيرة النساء فيما بينهن، وشبه جمال الماء وتلألؤه بالفضة ناصعة البياض، تجري في مصباتها، وأما الليل فانعكاس السماء بنجومها المتلألئة في سعة مائها يخيل للناظر أن السماء قد ركبت فيها.

وفي صورة أخرى من التفاعل العاطفي للكلمة أن دخل المختار بن أبي عبيدة على معاوية وكانت عليه عباءة رثة، فاستحقره، فقال له المختار: يا أمير المؤمنين إن العباءة لا تكلمك! ولكن يكلمك من فيها، وأنشد:

أما وإن كان أثوابي ملفقة ... ليست بخزٍ ولا من نسج كتان

فإن في المجد هماتي وفي لغتي ... فصاحة ولساني غير لحان 1

فيلاحظ الأثر التربوي للألفاظ والمعاني التي خالف بها المخبر المظهر، فتفاعلت معها أحاسيس قارئها وكأنه ينظر إلى ذلك الموقف ويعايشه، بل يجد عطفاً وتفاعلاً مع ذلك الرجل رث الثياب ذرب اللسان، حتى ليخيّل للمرء أنه لن يبالي بثيابه قدر ما يهتم بمخبره ولسانه.

ولما دخل ضمرة بن ضمرة على المنذر بن ماء السماء، وهو إذ ذاك ملك الحيرة واليمامة، وكان ضمرة ذا عقل وعلم، وحلم وحكمة وشجاعة إلا أنه كان دميم الخلقة، قصير القامة، وكان ذكره قد ذاع في الآفاق، فلما رآه المنذر احتقره لدمامة خلقته وقصر قامته، فقال سماعك بالمعيدي خير من أن تراه، فقال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015