فجمال تلك الألفاظ تدل على الأثر التربوي العظيم للمتأدب والمتحلي ببديع البيان وحسن تركيب الكلام لألفاظ اللغة، فابن القرية لم يأت بألفاظ غريبة، وإنما أتى بألفاظ يستطيع أن يأتي بها كل أحد من المتكلمين بالعربية، غير أنه أبدع في تركيبها اللفظي فجاءت كالدرر.
وتأمل جمال اللفظ الوصفي في الأبيات التالية التي تدل على أن من نشأ نفسه على حسن البيان والألفاظ، فإنما أطعم لسانه جواهر الكلام.
قال السعدي أبو وجزة وقد قدم على المهلب بن أبي صفرة:
يا من على الجود صاغ الله راحته ... فليس يحسن غير البذل والجود
عَمَّتْ عطاياك من بالشرق قاطبة ... فأنت والجود منحوتان من عود 1
2- التفاعل العاطفي:
كما تتفاعل العواطف مع الأحداث السارة والأحداث المؤلمة، فتبغض وتحب وتكرة وتميل، فإنها تتفاعل أيضاً مع الكلمات والألفاظ العذبة، بل ربما كان صور تلك العبارات الأدبية الجميلة أكثر تأثيراً من واقع الأحداث، فتتأثر لها القلوب وتتفاعل معها النفوس.
فتأمل قول البحتري في وصف بركة واسعة وكأنها أجمل من البحر والأنهار2:
يا من رأى البركة الحسناء رؤيتها ... والانسات إذا لاحت مغانيها
يحسبها أنها من فضل رتبتها ... تعد واحدة والبحر ثانيها
ما بال دجلة كالغير تنافسها ... في الحسن طوراً وأطواراً تباهيها
كأنما الفضة البيضاء سائلة ... من السبائك تجري في مجاريها
إذا علتها الصبا أبدت لها حبكاً ... مثل الجواشن مصقولاً حواشيها