وَيْلِي ذَلِكَ حَرْفَا صَلَاحِ الدِّينِ أَحَدُهُمَا حَرْفُ الْمُحْكَمِ الَّذِي بَانَ لِلْعَبْدِ فِيهِ خِطَابُ رَبِّهِ وَالثَّانِي حَرْفُ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يَتَبَيَّنُ لِلْعَبْدِ فِيهِ خِطَابُ رَبِّهِ مِنْ جِهَةِ قُصُورِ عَقْلِهِ عَنْ إِدْرَاكِهِ.

فَالْحُرُوفُ الْخَمْسَةُ لِلِاسْتِعْمَالِ وَهَذَا الْحَرْفُ السَّادِسُ لِلْوُقُوفِ وَالِاعْتِرَافِ بِالْعَجْزِ وَأَصْلُ هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ كُلِّهَا وَتَمَامُهُمَا فِي الْقُرْآنِ وَيَخْتَصُّ الْقُرْآنُ بِالْحَرْفِ السَّابِعِ الْجَامِعِ وَهُوَ حَرْفُ الْمَثَلِ الْمُبَيِّنِ لِلْمَثَلِ الْأَعْلَى وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْحَرْفُ هُوَ الْحَمْدُ افْتَتَحَ اللَّهُ بِهِ أُمَّ الْقُرْآنِ وَجَمَعَ فِيهَا جَوَامِعَ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ الَّتِي بَثَّهَا فِي الْقُرْآنِ فالأولى تَشْتَمِلُ عَلَى حَرْفِ الْحَمْدِ السَّابِعِ وَالثَّانِيَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى حَرْفَيِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ اللَّذَيْنِ أَقَامَتِ الرَّحْمَانِيَّةُ بِهِمَا الدُّنْيَا وَالرَّحِيمِيَّةُ الْآخِرَةَ وَالثَّالِثَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَمْرِ الْمَلِكِ الْقَيِّمِ عَلَى حرفي النهي الذين يَبْدَأُ أَمْرُهُمَا فِي الدِّينِ وَالرَّابِعَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى حَرْفَيِ الْمُحْكَمِ فِي قَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} وَالْمُتَشَابِهِ فِي قَوْلِهِ: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وَلَمَّا افْتَتَحَ أُمَّ الْقُرْآنِ بِالسَّابِعِ الْجَامِعِ الْمَوْهُوبِ ابْتُدِئَتِ الْبَقَرَةُ بِالسَّادِسِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ وَهُوَ الْمُتَشَابِهُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَرَّانِيِّ

وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ هُوَ الْأَخِيرُ وَبَقِيَّتُهُ يَنْبُو عَنْهُ السَّمْعُ وَيَنْفِرُ مِنْهُ الْقَلْبُ وَلَا تَمِيلُ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَأَنَا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ حِكَايَتِهِ عَلَى أَنِّي أَقُولُ: فِي مُنَاسَبَةِ ابْتِدَاءِ الْبَقَرَةِ بِ "الم" أَحْسَنَ مِمَّا قَالَ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ابْتُدِئَتِ الْفَاتِحَةُ بِالْحَرْفِ الْمُحْكَمِ الظَّاهِرِ لِكُلِّ أَحَدٍ بحيث لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي فَهْمِهِ ابْتُدِئَتِ الْبَقَرَةُ بِمُقَابِلِهِ وَهُوَ الْحَرْفُ الْمُتَشَابِهُ الْبَعِيدُ التَّأْوِيلِ أَوِ الْمُسْتَحِيلُهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015