بنى مروان الخبيثة هي التي سنَّت في هذه الأمة سنة الاستبداد، فما زال يَعظْمُ، ويتفاقم حتى سلب الأمة أفضل مزاياها في دينها ودنياها بعد الإيمان. انتهى.
وقد أصبحنا في زمن القابض على دينه كالقابض على الجمر، فانظر إلى حصول الفساد في جميع الأقطار الإسلامية، من فشو الربا، والزنى، والقمار بأنواعه بترخيص من الحكومات المحلية، وإباحة ذلك رسمياً والكذب، واللواط، والسرقات وقطع الأشجار، وحرق الزروع، وإفساد ما بين المرأة وزوجها، وما بين الوالد وولده، وما بين الأخ وأخيه، وما بين الصاحب وصاحبه، والغيبة، والنميمة، وتبرج النساء، وخلع عذار الحياء. ووجودهن في حمامات البحر مختلطين بالرجال الأجانب الفجرة الفسقة، والاجتماع بدورالملاهي، والسينما، والنوادي، وغير ذلك مما يوجب غضب الله تعالى وسخطه، فنسأل الله السلامة، وتغيير الحال إلى أصلح، وإرجاع العباد إلى مجد سلفهم، وما كانوا عليه من الحمية، والشهامة، والتقوى، والمهابة، وغير ذلك من صفات المؤمنين الذين قال الله تعالى في حقهم ما قال في غير آية. ولا تكون الأمة خير الأمم إلا إذا كانت متصفة بهذه الأصول الثلاثة: الإيمان بالله تعالى قلباً وقالباً، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وإذا فقدت هذه الأصول، أو بعضها؛ لا تكون كذلك. ولا تحفظ، ولا تدوم إلا بإقامة هذه الأصول الثلاثة، ولذلك اشترط على هذه الأمة أن يكون من غرضها في الدفاع عن نفسها، وحفظ وجودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كأنها لولا ذلك لا تكون مستحقةً للبقاء في الأرض، وأكد الأمر بهذه الفريضة في آيات سورة آل عمران بما لا يعرف له نظير في كتاب من الكتب السابقة، ولم تقم به أمة من الأمم على هذا الوجه.
إن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر يحتاجان إلى تحمل مكاره، وصبر على أذى في سبيلهما، فمن قام بذلك فلا يسخط، ولا يمل، ولا يغضب، بل يواصل ذلك بصدر رحب، وأخلاق حميدة، ولسان طلق، وقلب مفعم بالإيمان، والصدق، والإخلاص، ويلين للناس جانبه؛ حتى يتمكن من إزالة المنكر بطرق مفيدة، وسبل سهلة، ويكون أسلوبه ذا فنون وأنواع؛ ليقنع صاحب المنكر، ويستولي على قلبه ولُبِّه، ويستعمل له الأدلة الوافية كل بحسبه، وينزل الناس منازلهم.
قال الحافظ ابن رجب: اعلم: أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر تارةً يحمل عليه رجاء ثواب الله، وتارة خوف العقاب في تركه، وتارة الغضب لله على انتهاك محارمه، وتارة النصيحة للمؤمنين، والرحمة لهم، ورجاء إنقاذهم مما أوقعوا أنفسهم فيه من التعرض لعقوبة الله وغضبه في الدنيا والآخرة، وتارة يحمل عليه إجلال الله،