بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] فوصف أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأنها خيرأمة أُخرجت للناس، وعلل ذلك بأنها تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله جل وعز، فإنها خيرأمة لأجل ذلك، ولا شك أن الأمم الغابرة كانوا يتساهلون في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ويسكتون على من فعل ذلك، ولذلك شنَّع عليهم الباري تعالى في القرآن الحكيم في غيرآية، وقد تقدم ذكر بعضها أول الشرح، ولا شك أن هذين الوصفين من أهم الأمور التي تحفظ الأمة من التدهور، والسقوط، وتنتشر فيها المعاصين ويكثر الفساد، والفساق، وتذهب ثروة البلاد، وتنحط الأخلاق، وانظر إلى حال الأمة الإسلامية في بدء ظهورها، وبعد أن تكونت، وانتظمت، وأصبحت أمة، ودولة يخاف قوتها وبطشها جميع الأمم المعاصرة لها، كالروم، والفرس اللتين كانتا أعظم الأمم في عصرهما، فاجتثت الدولة الإسلامية أصولهما، وقهرتهما، وذلتهما في أقرب وقت، وأقل زمن، وذلك بسبب التآلف، والتحابب بين المسلمين، واتِّحاد كلمتهم وصفوفهم، وانتشار الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر في الجميع، لا فرق بين عالم، وجاهل، بين كبير، وصغير، وبين عظيم، وحقير، لذلك نجحت الأمة الإسلامية، وتقهقرت الأمم الأخرى؛ لسلب المزايا منها التي وجدت في الشريعة الإسلامية، ولم تزل، كذلك حتى قل الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهاب العلماء نصيحة ملوكهم، وإرشاد أمرائهم، ففشت المعاصي، وعمَّ الفساد، وتسلط العدو، ووقع الغلاء، والقحط، وكثرت المصائب، والبلايا، وندعو الله فلا يستجيب لنا، ونستنصره على عدونا، فلا ينصرنا، ونسأله فلا نعطى، وأكره العلماء على عدم النصيحة لملوكهم وأمرائهم استبداد رؤساء بني أمية، ومن سارعلى طريقهم ممن بعدهم، وقد كان أول أمير منهم أظهر هذه الفتنة والبدعة الشنعاء جهرةً عبد الملك بن مروان؛ إذ قال على المنبر: من قال لي اتقِ الله ضربت عنقه. وقال صديقنا الأستاذ المرحوم الشيخ رشيد رضا1: فقد كانت شجرة