ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه موقنًا بأن الله يقبله، ويغفر له؛ لأنه وعد ذلك، وهو لا يخلف الميعاد، فإن اعتقد، أو ظن أن الله لا يقبلها، وأنها لا تنفعه فهذا هو اليأس من رحمة الله، وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك وكل إلى ما ظن، كما في بعض طرق الحديث المذكور "فليظن بي عبدي ما شاء" قال: وأما ظن المغفرة مع الإصرار؛ فذلك محض الجهل، والغرَّة، وهو يجر إلى مذهب المرجئة. انتهى.

وقال الشوكاني في "تحفة الذاكرين": فيه ترغيب من الله عز وجل لعباده بتحسين ظنونهم، وأنه يعاملهم على حسبها، فمن ظن به خيرًا أفاض عليه جزيل خيراته، وأسبل عليه جميل تفضلاته، ونثر عليه محاسن كراماته، وسوابغ عطياته، ومن لم يكن في ظنه هكذا لم يكن الله تعالى هكذا. وهذا هو معنى كونه سبحانه وتعالى عند ظن عبده، فعلى العبد أن يكون حسن الظن بربه في جميع حالاته، ويستعين على تحصيل ذلك باستحضاره ما ورد من الأدلة الدالة على سعة رحمة الله سبحانه، وتعالى.

وقوله: "فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي" قال بعض أهل العلم: يُستفاد منه: أن الذكر الخفي أفضل من الذكر الجهري لتقديمه على الذكر الجهري في السياق. وتقدير المعنى: إن ذكرني في نفسه ذكرته بثواب لا أُطْلِع عليه أحداً، وإن ذكرني جهرًا ذكرته بثوابٍ أطلع عليه الملأ الأعلى، وفيه احتمال، وللعلماء في أيهما أفضل خلاف ذكرته في شر حي على "الكلم الطيب" للإمام تقي الدين بن تيمية، فأرجع إليه.

قال ابن بطال: هذا نصُّ أنَّ الملائكة أفضل من بني آدم، وهو مذهب جمهور أهل العلم، وعلى ذلك شواهد من القرآن، مثل: {إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف:20] والخالد أفضل من الفاني فالملائكة أفضل من بني آدم، وتعقب بأن المعروف عن جمهور أهل السنة: أن صالحي بني آدم أفضل من سائر الأجناس، والذين ذهبوا إلى تفضيل الملائكة: الفلاسفة، ثم المعتزلة، وقليل من أهل السنة من أهل التصوف، وبعض أهل الظاهر، فمنهم من فاضل بين الجنسين، فقالوا: حقيقة الملك أفضل من حقيقةِ الإنسان؛ لأنها نورانية، وخيرية، ولطيفة مع سعة العلم، والقوة، وصفاء الجوهر، وهذا لا يستلزم تفضيل كل فرد على كل فرد؛ لجواز أن يكون في بعض الأناسي ما في ذلك وزيادة، ومنهم من خصَّ الخلاف بصالحي البشر، والملائكة، ومنهم من خصه بالأنبياء، ثم منهم من فضل الملائكة على غير الأنبياء؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015