ومنهم من فضَّلهم على الأنبياء أيضًا إلا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن أدلة تفضيل النبي على الملك: أن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم على سبيل التكريم له حتى قال إبليس: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} [الأسراء:62] ومنها قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] لما فيه من الإشارة إلى العناية به، ولم يثبت ذلك للملائكة، ومنها قولة تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران:33] ، ومنها قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [الجاثية:13] فدخل في عمومه الملائكة، والمسخر له أفضل من المسخر، ولأن طاعة الملائكة بأصل الخلقة، وطاعة البشرغالبًا مع المجاهدة للنفس؛ لما طبعت عليه من الشهوة، والحرص، والهوى، والغضب، فكانت عبادتهم أشق، وأيضًا فطاعة الملائكة بالأمرالوارد عليهم، وطاعة البشر بالنص تارةً، وبالاجتهاد تارةً، وبالاستنباط تارةً، فكانت أشق، ولأن الملائكة سلمت من وسوسة الشياطين، وإلقاء الشبهة، والإغواء الجائزة على البشر، ولأن الملائكة تشاهد حقائق الملكوت، والبشرلا يعرفون ذلك إلا بالإعلام، فلا يسلم منهم من إدخال الشبهة من جهة تدبير الكواكب، وحركة الأفلاك إلا الثابت على دينه، ولا يتم ذلك إلا بمشقة شديدة، ومجاهدات كثيرة.
وأما أدلة الآخرين فقد قيل: إن حديث الباب أقوى ما استدل به لذلك للتصريح بقوله فيه: في ملأٍ خير منهم. والمراد بهم الملائكة، حتى قال بعض الغلاة في ذلك: وكم من ذاكر الله في ملأ فيهم محمد صلى الله عليه وسلم ذكرهم الله في ملأ خير منهم. وأجاب بعض أهل السنة بأن الخير المذكور ليس نصًَّا، ولا صريحًا في المراد، بل يتطرقه احتمال أن يكون المراد بالملأ الذي هم خير من الملأ الذاكر: الأنبياء، والشهداء، فإنهم أحياء عند ربهم، فلم ينحصر ذلك في الملائكة.
وأجاب آخر، وهو أقوى من الأول بأن الخيرية إنما حصلت بالذاكروالملأ معاً في الجانب الذي فيه ربُّ العزة خير من الجانب الذي ليس هو فيه بلا ارتياب، فالخيرية حصلت بالنسبة للمجموع على المجموع، وهذا الجواب ظهر لي، وظننت أنه مبتكر، ثم رأيته في كلام القاضي كمال الدين بن الزملكاني1 في الجزء الذي جمعه في الرفيق