نُفُوسَهُمْ عَنْ مُحَاضَرَةِ الفُقَهَاءِ , وَذَمِّهِمْ مُسْتَعْمِلِي القِيَاسِ مِنَ العُلَمَاءِ , لِسَمَاعِهِمْ الْأَحَادِيثَ التِي تَعَلَّقَ بِهَا أَهْلُ الظَّاهِرِ فِي ذَمِّ الرَّأْيِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ , وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ , وَأَنَّهُمْ لَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ مَحْمُودِ الرَّأْيِ وَمَذْمُومِهِ , بَلْ سَبَقَ إِلَى نُفُوسِهِمْ أَنَّهُ مَحْظُورٌ عَلَى عُمُومِهِ , ثُمَّ قَلَّدُوا مُسْتَعْمِلِي الرَّأْيِ فِي نَوَازِلِهِمْ , وَعَوَّلُوا فِيهَا عَلَى أَقْوَالِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ» (?) (*).

لهذا كان القرن الثالث عصر المُحَدِّثِينَ والمجتهدين، وسجلاً حافلاً بأعمالهم وفقههم، ولذا آثرناه بالبحث، ونسأل الله التوفيق والعون.

وقد اخترت للدراسة من بين مُحَدِّثِي هذا القرن العناصر الرئيسية والنماذج الممتازة من بينهم، واكتفيت بها في تمثيل الاتجاهات العامة التي تنطبق على سائر المُحَدِّثِينَ، ولم تكن الإحاطة بكل المُحَدِّثِينَ في القرن الثالث من بين أهداف هذا البحث ولا مما يفيده، وكان هذا هو سر اقتصاري على أصحاب الكتب الستة، مراعيًا الخلاف في سادس هذه الكتب، حيث تناولت بالدراسة كُلاً من البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبي داود، والنسائي، والدارمي، وابن ماجه. ثم أضفت إليهم ثلاثة من شيوخهم ومن أعلام عصرهم المؤثِّرين فيه، وهم أحمد بن حنبل، وابن راهويه إسحاق بن إبراهيم، وابن أبي شيبة عبد الله بن محمد.

وقد قصدت في أثناء دراستي لهؤلاء المُحَدِّثِينَ ألا أستعين بالشُرَّاحِ إلا في نطاق محدود، ولم يكن ذلك رغبة عن الشروح أو غضًا من شأنها، وإنما كان رغبة في أن أتصل بكتب المُحَدِّثِينَ اتصالاً مباشرًا، أستشف منه اتجاهاتهم الفقهية في ضوء ما يُؤدِّي إليه البحث، دون أن أقع تحت تأثير الآراء الذاتية لِلْشُرَّاحِ، الذين كانوا بدورهم متأثِّرين بمذهبهم الفقهي،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015