يحكمون من خلاله على رأي المُحدِّث، محاولين أن يصوروا رأيه بصورة تتلاءم مع مذهبهم وَتُعضِّدُهُ.

فالبخاري مثلاً عندما يتناول موضوع الكَفَّارَةِ لِمَنْ تَعَمَّدَ الجِمَاعَ في نهار رمضان، في ترجمة: (بَابُ إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ، وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلاَ مَرَضٍ، لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ» ...)

- يستنتج بَعْضُ الشُرَّاح من هذه الترجمة أن البخاري يوجب الكفارة على الآكل والشارب عمدًا قياسًا على المجامع الذي ورد فيه الحديث، على حين يُرَجِّحُ آخرون منهم أنه لم يرد ذلك (?).

هذا على الرغم من أن البخاري هو الوحيد من بين أصحاب الصحاح والسُنن، الذي حظي فقهه باهتمام العلماء مِنْ قُدَمَاءٍ ومُحْدَثِينَ، ولكنه اهتمام غير مستوعب، وَلَا مُبَيِّنٍ للأصول والاتجاهات العامة التي صدر عنها.

أما بقية أصحاب السُنن، فلم يهتم أحد بفقههم ولو بإشارة موجزة. وقد كان هذا من المصاعب التي اعترضت هذا البحث، حيث كان بهذا الاعتبار بحثًا لا سلف له.

وقد كانت كتب هؤلاء المُحَدِّثِينَ، من صحاح وسنن ومصنفات - هي المصدر الأساسي الذي يستمد منه هذا البحث، قرأتها أكثر من مرة، أجمع منها شتات المسائل ومنثور الجزئيات، لأنظِّمها في خيط يجمعها، وكلي يشملها، ثم كان عَلَيَّ أن أوازن بين فقههم وفقه المذاهب الأخرى، وبخاصة المذهب الحنفي، حتى تتضح الميزات، وتتميز الفروق، وقد استعنت على ذلك بكثير من الكتب الفقهية وكتب اختلاف الفقهاء، وبكثير من كتب الأصول، وكتب تاريخ التشريع والتراجم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015