حديث القلتين تحت عنوان: (بَابُ التَّوْقِيتِ فِي المَاءِ)، ثم أتبعه بباب (تَرْكُ التَّوْقِيتِ فِي المَاءِ)، روى فيه حَدِيثَ الأَعْرَابِيَّ الذِي بَالَ فِي المَسْجِدِ «فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَبِّ دَلْوٍ مِنَ المَاءِ عَلَى مَكَانِ البَوْلِ». فأخذ النسائي من ذلك أن الماء لا ينجس وإن قَلَّ، لأن الدلو من الماء قليل، وقد صب على البول فاختلط به فلو تنجس الماء باختلاط البول يلزم أن يكون هذا تكثيرًا للنجاسة لا إزلة لها، فلزم أن الماء لا ينجس باختلاط النجس وإن قل (?).

وقد ذهب فريق آخر من العلماء إلى الفرق بين قليل الماء وكثيره إذا وقعت فيه نجاسة، فقالوا: إن كان قليلاً ينجس، وإن كان كثيرًا لا ينجس. ومن هؤلاء أبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق. غير أنهم قد اختلفوا في حد الكثرة: فذهب غير أبي حنيفة إلى أن الحد في ذلك هو قلتان من قلال هَجَرْ، أَخْذًا بالحديث المروي وذلك نحو خمس قرب. وذهب أبو حنيفة في ظاهر الرواية عنه: إلى أن حد الكثرة يعتبر فيه أكبر رأي المبتلى: إن غلب على ظنه أنه بحيث تصل النجاسة إلى الجانب الآخر لا يجوز الوضوء به، وإلا جاز. وعنه اعتبار الكثرة بالتحريك، أي إذا حرك أحد طرفي الماء إما بالاغتسال أو بالوضوء أو باليد - لم يتحرك طرفه الآخر. وقد رجح الأحناف الرواية الأولى عن أبي حنيفة لمناسبتها لأصله، من عدم التحكم بتقدير فيما لم يرد فيه تقدير، والتفويض فيه إلى رأي المبتلى (?).

ولكن ماذا يفعل أبو حنيفة في التقدير الشرعي الذي جاء في حديث القلتين؟. إن الأحناف قد ضعفوا هذا الحديث، ونقلوا تضعيفه عن علي بن المديني، وقد رجح ضعفه أيضًا ابن دقيق العيد الشافعي، ومن المالكية ضعفه ابن عبد البر وإسماعيل بن إسحاق القاضي وأبو بكر بن العربي (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015